13- هديل الحمام
لم تتوقف أبريل , حتى في اللحظات الأخيرة , عن القيام بمحاولة يائسة لتثني أبنة خالها عن الذهاب مع سلفاتوري ديابولو , قالت لها , وهي تودعها على بوابة القلعة:
" وعدت بأن تكون مراسم الزواج نهاية لهذه اللعبة السخيفة , فلماذا تذهبين معه الآن ؟ ألا تعرفين أنك ستصبحين ملكه , ولن يسمح لك بعد ذلك أطلاقا بمغادرة صقلية ؟".
حثّت روزالبا أبنة عمتها على فهم مشكلتها بصورة أكثر جدية , قائلة بلهجة هادئة :
" لست مضطرة للمي قدما في هذه التمثيلية المزعجة , ألا لفترة قصيرة جدا , فهذان الرجلان يكرهان بعضهما ألى درجة مذهلة .... ولن أشعر بالأطمئنان التام لأعود ألى بريطانيا , قبل التأكد من وجود سلفاتوري بعيدا عن متناول جدي , لا تقلقي , يا أبريل فسوف أعود خلال ساعات قليلة".
أحست روزالبا في تلك اللحظة , بأن سلفاتوري ديابولو يتعمد أثارة غضب الكونت وسخطه .
برقت عيناه بالأرتياح والرضى التامين , عندما تطلع نحوها وقال بلهجة ساخرة :
" أبتسمي لجدك , يا ذات الوجه الملائكي ! أكّدي له بأنك سعيدة ولست ذاهبة ألى الجحيم , كما يتصور ويعتقد !".
أغضبتها تلك العبارة الهازئة القاسية , ولكنها سيطرت على أعصابها وجلست في مؤخرة العربة .... فيما قفز سلفاتوري ألى مقعد القيادة , بعد أن أجلس عمته قربه , أما الكونت , الذي لم يتفوه بكلمة واحدة , أو يرفع يده مودعا , فقد بدا في وضع بالغ الصعوبة .... لأنه يحاول جاهدا كبح جماح حنقه وحقده.
وصلت العربة ألى الطريق العام , فبدأ الحصان يعدو بسرعة مذهلة , تقوقعت روزالبا المنهكة القوى والمرهقة الأعصاب , في زاوية العربة الصغيرة... وغطت في نوم عميق , ذلك لأنه لم يغم لها جفن طوال الأيام الثلاثة الماضية , هل نامت خلال تلك الفترة الوجيزة , لأنها شعرت بالأرتياح لتجاوز العقبات الأكثر صعوبة وخطرا في مهمتهما الدقيقة والحاسمة ؟
أنتفضت جالسة في مكانها , بعد مي ساعتين على مغادرتهم القلعة , لتفاجأ بتوقف العربة على أحد المنعطفات القاسية , شاهدت سلفاتوري , عبر عينيها شبه المغمضتين , وهو يقفز من العربة .... بعد أن سلّم الرسن ألى عمته وقبّلها على خديها , ثم أقترب من روزالبا ورفعها من العربة , قائلا:
" هيا بنا , أيتها الزوجة الناعسة !".
منتديات ليلاس
تثاءبت رغما عنها , قبل أن تسأله بصوت ضعيف هادىء:
" ألى أين سنذهب؟".
" ألى عش الغرام وشهر العسل , أيتها العروس الطفلة! وهل من أي مكان نذهب أليه , يا صغيرتي؟ سنفترق هنا عن العمة جيوسبينا , لأننا سنتابع رحلتنا بالسيارة".
لم يبد على عجلة من أمره لأنزالها ألى الأرض , فتصارعت الأفكار في رأسها وتضاربت المشاعر في قلبها , لاحظت أنها طوقت عنقه بذراعها , بصورة عفوية وغبية , عندما رفعها من العربة... وبأنها تشعر بأرتياح لا يمكن تفسيره أو تبريره , وهي مستلقية بين ذراعيه القويتين , كان وجهه قريبا جدا منها ,بحيث راحت أنفاسه الدافئة والناعمة تداعب وجنتيها , أحنى رأسه فوق وجهها وأخذ يحدق بها , فيما أختفت أبتسامته الساخرة بسرعة مخيفة.
أنتبهت روزالبا فجأة ألى النظرات المرحة التي وجهتها العمة جيوسبينا , فتملصت من بين ذراعيه وأبتعدت عنه بسرعة ... وهي تعاتب نفسها بعنف شديد على هذا الشعور الغريب المستهجن , أمسك بيدها وسارا نحو اللاندروفر , فرفعت العجوز السعيدة يدها مودعة وقائلة بسرور واضح :
" تمتعا بشهر العسل , ألى أقصى درجة ! لا تتوقفا عن أغضاب بعضكما , فغضب الحبيبين يجدد حبهما ويعزز قوته وثباته !".
أطلق سلفاتوري العنان لسيارته , دون أي تعليق على كلام عمته , تصورته روزالبا في تلك اللحظات الحساسة , كأنه خفاش ينطلق من الجحيم , أمسكت بباب السيارة بكل قوتها , كيلا يرتطم رأسها أو جسمها بأي مكان .... نتيجة السرعة الجنونية التي لا مبرر لها , وبخاصة على تلك الطرقات الجبلية الوعرة.