أخرجت ثوب الزفاف من الكيس الثالث ووضعته على السرير الكبير , ثم تراجعت بضع خطوات ألى الوراء لتتمكن من التمتع بمنظرة دفعة واحدة , أوه ........! شهقت روزالبا بصوت مرتفع , وهي تتأمل النوعية الممتازة للقماش .... والجمال الرائع الأخاذ للشكل الأجمالي ........ والأتقان المذهل في التطريز والخياطة , ولكنها شعرت فجأة بحزن وألم شديدين لمجرد تفكيرها بأنها سترتدي هذا الثوب ذاته بعد ثلاثة أيام فقط , هل يمكن لهذه الأناقة الساحرة أن تخفي تماما أرتباكها وتوترها وأرتجاف جسمها , وهي تواجه تلك النظرات القاسية لعريس لا يشعر نحو عروسه ألا بالحقد والكراهية ؟ خرجت من الغرفة راكضة ودون الألتفات مرة أخرى ألى ثوب يرفض القدر على ما يبدو أن ترتديه عروس سعيدة يحبها فارس أحلامها ويعشقها!
حل المساء , فجلست روزالبا في غرفتها تنتظر ذهاب جدها بتلهف بالغ , تصورت أنها أمضت دهرا قبل سماعها صوت الكونت , وهو يشكر سائقه على مساعدته في الدخول ألى السيارة الكبيرة الفخمة , أنطلقت من غرفتها كالسهم وأخذت تقفز على درجات السلم العريض بسرعة , لتصل ألى الباب الأمامي الضخم ,وتتأكد عبر فتحة صغيرة فيه من أختفاء الأضواء الخلفية لتلك السيارة , وعلى أثر ذلك , بدأت تسير في القاعة الفسيحة بعصبية ...... وهي تشكر الظروف التي أتاحت لها هذه الفرصة الذهبي , جدها موجود مع أصدقائه ...... أبريل في باليرمو ..... والخدم كلهم في المطبخ!
وفجأة .... فتح أحد الأبواب وظهرت منه ريتا , وهي تع أصبعا على شفتيها لتحذير روزالبا من أصدار أي أصوات ملفتة للأنتباه , أشارت أليها لكي تتبعها بهدوء , وبدأت تسير في الممر المحاذي لمنطقة المطبخ , وقفت أمام باب منفصل بعض الشيء عن بقية الأبواب , وأومأت ألى قفله الخم ... الذي لم تشاهد روزالبا مثله ألا في صور بوابات السراديب أو السجون القديمة , ثم أخرجت المفتاح الكبير , الذي كانت تخفيه تحت مئزرها , وهمست بصوت ينم عن الأعتذار والأسف:
" أنها غرفة مهجورة وغير مريحة أطلاقا , ولكنني تأكدت بنفسي من أن السيد ديابولو يتناول طعاما لائقا وكافيا".
أخذت روزالبا المفتاح بيد مرتعشة , قائلة لمدبرة المنزل الخائفة:
" شكرا لك , يا ريتا , لن أمضي في الداخل أكثر من فترة قصيرة".
منتديات ليلاس
كان سلفاتوري مستلقيا على الأر بكامل ثيابه , ويقرأ كتابا على ضوء شمعتين صغيرتين , ومع أنها لم تحدث أي جة أو حركة لدى دخولها , ألا أنه رفع رأسه فجأة وحدق بهذا المتطفل الذي لم يكن يتوقع حضوره , وفيما كانت تتأمل بأشمئزاز بالغ الوضع السيء جدا لهذه الغرفة الخالية من كل شيء بأستثناء طاولة ومقعدا خشبيين قديمين , قفز سلفاتوري نحوها وأمسك بكتفيها , قالت له بصوت متأثر حزين :
" أنا آسفة جدا , لم أكن لأتصور أبدا أنك تعيش في مثل هذه الأوضاع المزرية المروعة".
كان على وشك أن يصب عليها جام غبه , ولكنه تردد لحظة ثم تطلع حوله وهز كتفيه بأستهزاء , قائلا:
" لقد عشت في أماكن أكثر تعاسة , وأنت أيا , ألم يكن الكهف مثلا.....".
شعرت روزالبا بأن وقتها لن يسمح لها بالتحدث أليه طويلا , وأطلاعه على كل ما يجول في خاطرها , ولكن كلمة الكهف أضطرتها للتحول قليلا عن المووع الهام , الذي تحملت وريتا مخاطرة كبيرة لمجرد أبلاغه أياه , قالت له , وهو يتركها ويبعد وجهه عنها:
" لم أخبر رجال الشرطة عن مكان وجودك ,ولم أكن راغبة أطلاقا في وقوعك في الأسر , ولكن أحدهم شاهد الشال الذي لم أشعر بفقدانه أثناء هربي , معلقا على غصن شجرة أمام الكهف , أنا.........".
" لا داعي للأعتذار , كنت محقة تماما في الأنتقام مني , لأنني تصرفت معك بأسلوب حقير وتافه".
تصورته طوال الوقت رجل مجرد تماما من العواطف والأحاسيس الرقيقة , ولكن صوته بدا مشبعا بمرارة الأدانة الذاتية , حاولت أيجاد الكلمات المناسبة للتخفيف من عذابه النفسي المؤلم , ولكنه أستمر في تقديم الأعتذار ..... البالغ الصعوبة بالنسبة لرجل مثله.