" ما بك , يا روزالبا؟ لماذا لا تجيبينني ألا بجمل مقتضبة ومبهمة ؟ كنت مفقودة طوال الأيام اثمانية الماضية , بعد أن خطفك من داخل هذه القلعة الحصينة ربيب أشرس قطاع الطرق في صقلية , وسجنك في أحد الكهوف الجبلية البعيدة ! شن عدد كبير من رجال الشرطة ومكافحة الأرهاب حملة واسعة النطاق للبحث عنك , وكان يساعدهم في ذلك كل رجل يعمل في سيتاديل مونتي ! تعرض الجد روسيني ألى الذل والهوان , أضافة ألى قلقه البالغ على حياتك , وكنت أنا مذعورة جدا وأكاد أصاب بنوبة عصبية شديدة الخطورة خوفا عليك ! ومع ذلك ...... فعندما تعودين ألينا بعد هذه المحنة الرهيبة , وأحاول الأستفسار منك عن بعض ما حدث لك , لا أسمع منك ألا كلمات قليلة مبهمة ! من هو هذا الوغد الشرير ديابولو , وكيف كان تصرفه معك؟ لا أصدق حتى الآن أن هذه الحادثة وقعت فعلا! كان علينا أن نصغي أليك , عندما قلت لنا بأصرار شديد أن ثمة رجلا يتعقبك ويطاردك من مكان ألى آخر , ولكن القصة بدت خيالية بعض الشيء , ولا يمكن تصديقها بسهولة".
ثم تنهدت ومضت ألى القول :
" أعدك بأنني لن أسخر من أي كلمة تقولينها بعد الآن , وسوف أتذكر دائما ما قاله لي جدنا عندما أستبعدت بشيء من الأستهزاء فكرة أختطافك ....... قائلة له أن طلب الفدية ليس أكثر من دعابة , قال لي آنذاك بمرارة وأنزعاج أن مثل هذه الأعمال قد تكون نادرة في بريطانيا , ولكن كل شيء محتمل في صقلية".
شعرت روزالبا بأرتياح بالغ عندما أصبح الحمام جاهزا , وتمكنت من الأبتعاد عن أبنة عمتها وتعطشها ألى معرفة كل شيء عما جرى لها..... منذ لحظة دخول الخاطف ألى غرفتها , وحتى عودتها ألى القلعة ,ولما أختلت بنفسها , أخذت تفكر فورا بأفضل وسيلة لحمل جدها على القبول بأنهاء هذا الصراع الدامي الشرس...... الذي لم يعد له وجود بين الناس المتحضرين , فمع أن الكونت والطبيب غير منطقيين في تصرفهما أتجاه بعضهما , ألا أن أيا منهما ليس غبيا أو جاهلا , وبالتالي , فما عليها ألا مناشدة ذكائهما لحملهما على الأقتناع بأن الحقد الأعمى ليس من شيم الرجال الشرفاء........ وبأن الأنجراف وراء المشاعر البدائية وعدم التحكم أل الروية والحكمة ليسا دليلا على القوة والشجاعة , بل على الضعف والجهل , نعم , ستجعل الذكاء يتغلب على الحماقة.... والعقل يسيطر على الغباء...... والواقعية تنتصر على الخيال ..... والمصالحة والمحبة تحلان محل العداوة والكراهية! أنهما لا يحتاجان ألا ألى القليل من ضبط النفس , فهل يستحيل عليها أقناعهما بذلك؟ لا, فسوف تقنعهما بدفن أحقادهما ألى الأبد! ومن يدري, فقد يتحولا يوما ما ألى صديقين!
منتديات ليلاس
جففت جسمها وشعرها ثم أرتدت فستانا قطنيا خفيفا , وجلست أمام النافذة لتأكل الطعام الذي أحضر لها قبل دقائق قليلة , ولكن القلق على مصير سلفاتوري وحياته , حرماها الشهية التي كانت تتوقعها , وشعرت روزالبا بأن أهتمامها كله , منصب على سماع أي صوت قد يوحي بوصوله ألى القلعة.
لم تضطر للأنتظار طويلا , فما كادت تأكل اللقمة الأولى , حتى سمعت أصوات آليات تقترب من القصر ...... وشاهدت بعد لحظات معدودة رتلا من السيارات والشاحنات المكتظة بالرجال المسلحين , كانت تتقدم القافلة سيارة عسكرية مكشوفة , يحتل الضابط السعيد مقعدها الأمامي قرب السائق..... فيما يجلس سلفاتوري على المقعد الخلفي وألى جانبه رجلان شرسان يصوبان رشاشيهما ألى صدره ورأسه.
تحطم صحن الطعام عندما أرتطمت يدها به , وهي تهب واقفة وتركض كالمجنونة بأتجاه الباحة الخارجية , وما أن وصلت ألى القاعة الكبرى , حتى فوجئت بجدها يخرج من مكتبه ... ويمسك بها على عتبة البوابة , وكان أول شيء يشاهده سلفاتوري , وهو يدفع بأعقاب البنادق نحو الداخل , الطريقة التي يمسك بها الكونت المتعجرف حفيدته المرتجفة , لن يعرف ديابولو أطلاقا , أن الذراع واليد القويتين تضغطان بعنف على كتف روزالبا ....... لمنعها من الركض نحوه , تألمت لدى رؤيتها آثار الضرب والتعذيب على وجهه وصدره , وقالت هامسة :
" هكذا فعلوا بك , أيها المسكين!".
ولكن أحدا لم يسمع جملتها , لأن كلام الضابط الفخور غطى على صوتها وأغرقه ..... عندما قال لجدها , وهو يدفع سلفاتوري ألى الأمام بقساوة ووحشية :
" هذا هو المجرم الفار ديابولو , يا سيدي الكونت!".
لاحظت روزالبا مدى سعادة جدها وسروره العظيمين بما يعتبره أنتصارا رائعا على آخر أعدائه , وذلك عندما سمعته يقول بلهجة باردة مرعبة :
" أذن أنت ديابولو ! لم أكن بحاجة ألى من يخبرني أسمك , لأعرف أنك من حثالة القوم .... ومن تلك العائلة الفاسدة ذاتها التي أنجبت ذلك المجرم الشرير توريدو , فالملامح نفسها , والبربرية نفسها , وكذلك الغباء نفسه..... الذي جعلكما تتمردان عليّ وتحاولان شن حرب يائسة ومعروفة النتائج سلفا , وبما أنك تبدو مصمما على التمثل بعمك الراحل , فسوف أكون سعيدا جدا للتأكد من ملاقاتك مصيرا مماثلا!".