دخلت الكهف بخطى خائفة متعثرة , وأختارت أحدى زواياه البعيدة ... فيما راح سلفاتوري يبحث بعصبية واضحة عن أعواد الثقاب لأشعال نار خفيفة , وقعت العلبة الصغيرة من يديه وتبعثرت الأعواد , فأرتمى على ركبتيه لأيجادها , وهو يشتم بصوت عال , تكومت روزالبا بذعر حول الكيس الكبير , وحضنته بين ذراعيها كأنها تحتمي به , وبينما كانت تفعل ذلك , وقعت يدها على شيء صغير أسطواني الشكل قرب فتحة الكيس... فتذكرت فورا علبة الحبوب المنومة !
أخرجتها من الكيس بحذر بالغ , وهي ترغم أصابعها على عدم الأرتجاف ..... مخافة أحداث أي أصوات تلفت أنتباهه , حبست أنفاسها وبدأت تفتحها ببطء شديد , بينما كان العرق البارد يتصبب من جبينها... وضربات قلبها تبدو لها كقرع الطبول , نجحت في محاولتها , ألا أن مشكلة كبرى أشد خطرا لا تزال قائمة , فهي تريده أن ينام , ولكن .... ليس ألى الأبد , هل ستختار حبة؟ أو أثنتين ؟ أو ثلاثا .......؟ أذا كانت العجوز المريضة بحاجة ألى حبتين لتنام فترة طويلة , فمن المؤكد أن رجلا قويا في بداية الثلاثينات من عمره مثل سلفاتوري ديابولو يحتاج ألى ضعف ذلك , أخذت أربع حبوب ووضعتها في جيب مئزرها , ثم أعادت العلبة ألى الكيس وأحكمت أغلاقه .
وفيما كانت تسند ظهرها ألى الحائط وهي ترتجف خوفا وذعرا , أنار المشعل أرجاء الكهف وشاهدت قدمين على بعد خطوة واحدة منها , رفعت رأسها بهلع شديد نحو سلفاتوري , فبدا وجهه عبر ألسنة اللهب كشيطان خرج لتوه من جحيم دانتي , قال لها ضاحكا بعصبية:
"أحييك ....... يا مليكة أريكس! هل تعرفين الأسطورة القائلة أن أفروديت .... رمز الحب والجمال , كانت تتزعم مجموعة من العاشقات التافهات اللواتي كن يمنحن الحب الرخيص لكل بحار ومسافر وطالب متعة ؟ وهل تعلمين أن أفروديت , حسب تلك الأسطورة , كانت تقيم مع فتياتها على قمة جبلنا أريكس .... واسمى مليكته ؟ أليس من الممكن أن صديقك الراعي الشاب حظي منك على تشجيع ما أثناء الرقص , ليشبّهك بها...... ويهجم عليك بعد لحظات , سعيا وراء المتعة؟ أنه أحتمال قوي جدا , لأن تحرر الفتاة الصقلية اليوم لم يعد ألا جزءا يسيرا مما كان عليه أثناء وجود أفروديت المزعوم".
أبتعدت عنه بسرعة , عندما تأكد لها أن نشوته أنسته ضميره وترفعه ..... الذين حافظ عليهما بقوة تستحق الأعجاب والتقدير طوال فترة أقامتها معه , رمى المشعل جانبا ... ثم أقترب منها مجددا وأنحنى فوقها , مهددا متوعدا :
" أريد أمرأة... أمرأة ... أمرأة! أريدها كقطعة حلوى , أتلذذ بطعمها وحلاوتها ببطء .... قبل مضغها وأبتلاعها!".
منتديات ليلاس
رفعها عن الأرض دون عناء وضمها بين ذراعيه , فكادت تصرخ وتستغيث , ولكن الحكمة تغلبت على ردود الفعل العفوية والمتهورة , فقررت أن سبيلها الوحيد للخلاص هو تلك الحبوب المنومة ..... وأيجاد الفرصة المناسبة لأعطائها لها , أرغمت نفسها على التظاهر بالمرونة والقبول , وقالت له بغنج ودلال تحسدها على براعتهما أي أمرأة متمرسة :
" أليس من الأفضل لنا أن نشرب فنجانا من القهوة القوية المنعشة , لكي نطرد أشباح التعب والأرهاق والنعاس......".
" فكرة عظيمة ... رائعة! يبدو أننا الآن نتحدث باللغة ذاتها , ونطرب للأنغام نفسها! خذي المشعل , فناره قوية ألى درجة كافية ... ولكن لا تتأخري كثيرا !".
هرعت نحو الزاوية التي يضع فيها المؤن , والأدوات المنزلية المتواضعة التي لا تستخدم ألا في بيوت الفقراء المعدمين , وهي تمنّي النفس بأمكانية وضع احبوب في فنجانه , وعندما أصبحت القهوة جاهزة بعد دقائق معدودة , صبتها في الكوبين اللذين يستعملانهما ... ثم وضعت الحبوب الأربع في كوبه , وهي ترتجف خوفا وقلقا , أخذت ملعقة صغيرة لتحرك قهوته وتذيب الحبوب بسرعة , فأستدار وصرخ بها قائلا :
" لا أريد أي كمية من السكر مع القهوة , فحلاوتك تكفيني ! أفرغي الكوب حالا , وأعدّي لي فنجانا آخر من القهوة القوية المرة !".
أرتبكت روزالبا بشكل لم يسبق له مثيل , كاد الكوب يقع من يدها , لا شك في أنه لاحظ خلال وجودها معه , بأنها لا تشرب قهوتها مع السكر , فماذا ستفعل ؟ لجأت ألى الحيلة والخداع مرة أخرى , فقالت له متظاهرة بالأبتسام والمرح :
" لا داعي لذلك أطلاقا! فأنا سأشرب القهوة المحلاة , كي أصبح ...... حلوة اللسان ! سأعطيك الكوب الآخر".
أستلقى على ظهره من شدة الضحك , فسارعت ألى أستبدال الكوبين مرة ثانية... وأعطته الفنجان الذي قد ينقذها من محنتها الأليمة , شرب القهوة الساخنة جدا .... جرعة واحدة , وكأنه يريد أستعادة نشاطه بصورة فورية , حاولت القيام بالشيء ذاته , لتثبت له أستعدادها وتجاوبها , ولكنها لم تتمكن من شرب قهوتها ألا على ثلاث دفعات مضنية ومؤلمة.