تدخّل القدر في تلك اللحظة الحاسمة , ليثبت أن تلك المرأة لم تكن على صواب..... وأن الرد على الدعوة للسلام بالأصرار على الكراهية الحاقدة مناف لجميع مبادىء الأخلاق والمثل العليا , فقد أقترب منهما شاب في مقتبل العمر , وهو في ذروة نشوته وأبتهاجه , وأنحنى أمام روزالبا .... موجها أليها الدعوة التقليدية للرقص , أدركت فورا أنه لا يعرفها أو أن النشوة العارمة أنسته أسمها الذي يكرهه الجميع , فهبّت واقفة ورافقته ألى الحلبة... آملة في الأختفاء مؤقتا داخل ذلك الحشد الكبير من أبناء القرية , ولكن خطتها أخفقت منذ اللحظات الأولى , لأن نظرات الأستغراب والأستهجان والأشمئزاز تسلطت عليهما كأنوار كاشفة.... فيما أتسعت الدائرة حولهما بسرعة , ألى أن أصبحا وحيدين تماما في وسط الحلبة.
" روسيني ! روسيني! روسيني!".
سمع الفتى هذا الأسم البغيض يتردد على شفاه الموجودين حوله , فتسمّر مكانه..... وأخذ يحدق بوجه روزالبا , توقف العازفون عن العزف.... وخيم على القاعة صمت رهيب مروع , أحست بأن مشاعر الحقد تحيط بها من جميع الجهات , وتبدأ بشد الخناق حول عنقها , كذلك شعر الشاب الطري العود بوطأة النظرات القاسية وفداحة الخطأ الذي أرتكبه , فأبتعد عنها وكأنها حية سامة , ثم برقت عيناه ووجنتاه معا بأبتسامة ماكرة , وأنحنى أمامها بأستهزاء وسخرية قائلا :
" أحييك ...... يا مليكة أريكس!".منتديات ليلاس
ضجت القاعة بالضحك والتصفيق , فأرتاح الشاب لتبرئة ساحته وبدا كأنه سيرقص وحده طربا وسعادة , أما روزالبا التي لم تفهم مغزى التحية المرحة , فقد شلت الصدمة القوية قدرتها على التفكير بهدوء وروية .. فظلت واقفة دون حراك , لا تعرف كيف تتصرف أو ماذا تفعل , وفي تلك الأثناء , كان ذلك الفتى المتحمس يتذوق طعم الأنتصار المفاجىء والشعبية غير المتوقعة.... ويتحول من شاب رقيق خجول ألى رجل قاس جسور .
هجم عليها فجأة ودون سابق أنذار , وبدأ يعانقها بعنف ووحشية , قررت أن تدافع عن نفسها بقوة وشراسة ,وبغض النظر عن المضاعفات التي قد تواجهها كنتيجة لعدم الأستسلام الفوري.
لكمته على وجهه ورأسه .... ركلته على قدميه ورجليه.... غرزت أظافرها في خديه وعنقه وظهره ....بينما كانت تحاول طوال الوقت أبعاد وجهها عنه , ألا أن الراعي المفتول العضلات لم يأبه بتلك المقاومة المستميتة من جانب فتاة ضعيفة , بل أزداد عشقا وهياما وضمها ألى صدره بقوة شديدة كادت تحطم أضلعها وتحبس أنفاسها .
ساعدته الروائح الكريهة , المنبعثة من فمه وبقية أنحاء جسمه , على توجيه الضربة القاضية ألى روزالبا ..... فأحست أنها ستصاب بالغثيان والأغماء , أدرك الآخرون مدى ضعفها , فأخذوا يحثون مهاجمها على ألحاق المزيد من الذل والهوان بها.... ويقترحون عليه القيام بأعمال فظة وحقيرة معها , لأشباع نهمهم وتعطشهم ألى الثأر والأنتقام .
" لويجي , أيها الأرعن الأحمق! أتركها .... أتركها حالا!".
لم تشعر طوال حياتها بمثل هذه السعادة لسماعها صوتا مألوفا , وبخاصة عندما تصحبه خطوات فورية لأنقاذها من محنة أليمة مروعة , شق صوت سلفاتوري صراخ الحاضرين وضحكهم كسيف قاطع .........فأخرسهم , وأرغم الشاب المهاجم على تركها دون تردد , دفعه نحو الآخرين المذهولين .... بقوة وعنف بالغين , جعلاه يتعثر ويهوى قرب أقدامهم , ثم أطبقت يده بقساوة مماثلة على ذراعها , وصرخ بالفلاحين المنصاعين لأوامره أنصياع الأغنام للرعيان .... قائلا بلهجة غاضبة ساخطة:
" أهم شيء في عمليتنا هو ألا تصاب هذه الفتة بأي أذى , طالما أننا لم نحصل على الفدية التي نريدها".
رفع كيسه بيده الأخرى وأندفع نحو الباب بعصبية فائقة , عبر الممر الواسع الذي فتحه له فورا الفلاحون الصاغرون , ظل يجذبها وراءه بحدة حتى أبتعدا مسافة طويلة عن المنزل , ثم توقف بصورة مفاجئة .... وأخذ يتنفس بسرعة ويهز رأسه بتململ ظاهر وبشكل غير طبيعي , أستغربت هذا التصرف الذي لم تكن تتوقعه بتاتا , فرمى كيسه أرضا وقال لها :
" أشعر بصداع قوي يكاد يفقدني توازني , أحملي هذا الكيس عني لئلا أتعثر وأقع , أنها بلا شك حالة مؤقتة , أرجو التغلب عليها بمجرد وصولنا ألى الكهف".
أستغرقت رحلتهما ضعف الوقت الذي يحتاجان أليه عادة , لأن روزالبا لم تكن تحمل كيسا خفيفا ..... ولأنها كانت تفكر طوال الوقت بما قد يحدث لها تلك الليلة , فمن المؤكد أن وجود سلفاتوري في تلك الحفلة الصاخبة , ولو لفترة وجيزة , جعله يشعر بنشوة كبيرة .... وينظر أليها بعينين تشعان بأفكار جهنمية.