بدت العمة جيوسبينا في وضع جيد , فقد قفزت فجأة ألى حافة سريرها , فور دخولهما الغرفة , وقالت لقريبها:
" أطالبك بأصرار شديد , يا توتو , بأن تسمح لي بمغادرة الفراش..... وبأن تبلغ تلك الغبية جينا , التي أخترتها لي كحارس ... لا بل كسجّان , بأن تحضر لي ثيابي حالا!".
أبتسم لها بمحبة وحنان , ولكنه لم يجبها حتى جس نبضها وأجرى كشفا طبيا عليها , قال لها , مستسلما لرغبتها , ولكن بلهجة توحي بأنه يفعل ذلك عن أقتناع لا عن ضعف أو أذعان :
" حسنا , يا عمتي , أنا لست متأكدا تماما من أنك تعافيت بالشكل الذي تصورينه لي , ولكنني سأطلب من جينا أن تساعدك على أرتداء ملابسك ..... شريطة حصولي على وعد قاطع منك بعدم مغادرة مقعدك ألا نادرا , وبالعودة فورا ألى فراشك بمجرد أحساسك بالتعب والأرهاق ".
ظهر العناء جليا في ملامح السيدة العجوز , وبدا التمرد واضحا في عينيها الصغيرتين السوداوين , ألا أنها قررت الرضوخ لأوامر الطبيب وأرشاداته , قائلة :
" حسنا , يا توتو , أعدك بذلك ".
منتديات ليلاس
ثم أنتفض رأسها بشموخ وعنفوان , ومضت ألى القول .... وكأنها تصر على الأحتفاظ بالكلمة الأخيرة :
" ولكنني لا أزال أظن بأن أوامرك الصارمة تتسم بالغباء والسخافة , سيتصور جميع جيراني بأنني أصبحت في المراحل الأخيرة للشيخوخة والعجز , جسديا وعقليا , أنا قادرة تماما على الأعتناء بنفسي , ولا أريد أي معاملة خاصة".
قبل تأنيبها بجدية وهدوء , قائلا:
" أعرف ذلك , يا عمتي , وأذا نسيت هذا الأمر يوما , فلا تترددي أطلاقا في تذكيري به".
ظنت في بداية الأمر , أنه يتحدث معها بشيء من السخرية , ولكن وجهها أشرق فجأة بأبتسامة حارة , ثم ضمته ألى صدرها بمحبة وحنان قائلة /
" أنت شاب طيب جدا , يا توتو , مع أنك تتطرف أحيانا في جرأتك ولكن...".
نظرت بطريقة فرحة نحو روزالبا , التي تقف على بعد خطوات قليلة , وأضافت قائلة :
"ولكن الجريء وحده هو الذي يظفر عادة بقلوب الحسناوات الجميلات , كما ستوافقني على ذلك بالتأكيد صديقتك الشابة ".
" صديقتي الشابة!".
أحمرت وجنتاها روزالبا حياء , وهي تسمعه يشدّد بشكل مذهل على كلمة صديقة .
" ولكنك تعرفين بالتأكيد , يا عمتي , من......".
توقف فجأة عن أتمام جملته , وكأنه تخوف من الكشف عن هويتها , ثم هزّ كتفيه وحمل كيسه قبل أن ينهي كلامه بالقول :
" سنضطر للذهاب الآن قبل هبوب العاصفة , لا تقلقي , يا عمتي , أن لم أقم بزيارتك خلال الأيام القليلة القادمة ... ذلك أنني سأنهمك في أعمال كثيرة ".
أوقفته السيدة العجوز قائلة له , وهي تشير نحو الباب :
" قبل أن تذهبا , أود أن أعطي صديقتك هدية صغيرة , هل تسمح بأنتظارها خارجا , لأني أريد أعطاءها الهدية على أنفراد ".
بدا أنه على وشك الأعتراض أو التمنع , ولكنه غيّر رأيه وتوجه نحو الباب قائلا :
" كما ترغبين , يا عمتي , ولكنني أريدك أن تسرعي قدر الأمكان ".
ثم ألتفت نحو روزالبا , وقال لها :
" لا تشجعي عمتي على أرهاق نفسها , فهي تتحدث كما تعزف على القيثارة ...... دون توقف .... ألى أن تغرقها النشوة في موسيقى كلامها !".