أرتجف جسمها خوفا من الفكرة الرهيبة وحدها , فحملت مقعدها الثقيل ووضعته قرب سرير السيدة العجوز ... ذلك أن وجودها , حتى على الرغم من مرضها ونومها , يطمئن النفس ويريح الأعصاب ألى حد ما , هزت رأسها حزنا وألما , وهي تقارن بين وحشية خاطفها وتلك الحيوانات البرية الشرسة , ألن تكون بين تلك الحيوانات التي لا تشكل ألا تهديدا جسديا , أكثر أمانا من وجودها مع هذا الرجل الذي تضطر ألى تحمل تعذيبه المعنوي والنفسي لها.... أضافة ألى أحتمال تصرفه في أي لحظة كأسوأ من أسوأ تلك الحيوانات؟ أحست فجأ بأنها لم تعد قادرة على مقاومة النعاس الشديد , فقامت بمناورة مرهقة ... تمكنت على أثرها من أبقاء جسمها على المقعد , ووضع رأسها وذراعها قرب قدمي السيدة المريضة , أستيقظت بعد حوالي ساعتين , عندما شعرت بالسيدة العجوز تتحرك في سريرها , جلست روزالبا في مقعدها , ثم سألت ربة البيت بصوت رقيق ناعم :
" كيف تشعرين الآن ؟".
" أفضل بكثير , أين توتو ؟".
رددت روزالبا الأسم بأستغراب , قبل أن تتذكر أنها سمعت السيدة تستخدمه لدى وصولهما للترحيب بقريبها , لا شك أذن في أنه أسم الدلال , الذي يستعمله المقربون جدا من سلفاتوري أثناء مناداته أو التحدث عنه , أجابتها بسرعة :
" ليس بعيدا من هنا , هل تريدين أن أحاول أيجاده؟".
وضعت السيدة المريضة يدها الضعيفة على ذراع روزالبا , وقالت :
" لا..... لا, فأنا مرتاحة ولست بحاجة أليه الآن , كل ما في الأمر أنني أريد الأطمئنان على سلامته".
" ربما ذهب لأحضار طبيب ".
حدقت بها المرأة العجوز بذهول واضح , وقالت :
" طبيب؟ ولكن توتو هو طبيب... وهو أذكى وأفضل طبيب في العالم ! ألم تعرفي أنه طبيب ؟".
حملقت فيها روزالبا بأستغراب مماثل , ولم تتمكن على الفور من أستيعاب ذلك الكلام , وعندما تأكد لها بأنها لم تكن تحلم , أبتسمت لجارتها بشكل يوحي بأنها كانت تمازحها , فقد تذكرت أشياء عدة تثبت فعلا أنه طبيب .... منها أستخدام الصبي هذا اللقب بأستمرار لدى التحدث معه , والخبرة الواضحة في أسئلة سلفاتوري العلمية الذكي للسيدة المريضة , وأسلوب فحصه المهني والدقيق لها , وأهم من ذلك , أمتناعه المحير عن القيام شخصيا بتنفيذ عملية الثأر والأنتقام حتى النهاية ... والأكتفاء بتسليم جدها ألى جلاديه , أليس من الطبيعي في مجتمع كهذا أنه , كآخر رجل في عائلة لاقى فيها جميع الذكور حتفهم بناء على أوامر جدها , سوف يسعى بنفسه لقتل القاتل ؟ ولكنه طبيب أقسم على تكريس حياته لأنقاذ الناس , لا ألى قتلهم , وهذا يفسر الصراع النفسي الذي يتفاعل في داخله... فهو يشعر برغبة جامحة لأخذ الثأر بيده , ولكن رسالته تمنعه من القيام بذلك .
" لقد سمعت بالتأكيد عن توريدو ؟ أبني توريدو ؟".
منتديات ليلاس
لاحظت روزالبا أن السيدة العجوز تريد التحدث معها , على أمل تناسي عذابها وآلامها , فهزت رأسها أيجابا لتشجيع المرأة المريضة على متابعة الكلام , تحولت ملامح التعب والأرهاق في الوجه الحزين ألى أشراقة فخر وأعتزاز , وهي تتابع حديثها بالقول:
" لم يكن توريدو زعيم عصابة من الأشرار وقطاع الطرق , كما يريدك البعض أن تصوري! ولكنه كان شهما شجاعا , متفانيا في أخلاصه , مفرطا في رقته وحنانه متدينا جدا , ووسيما للغاية , كانت قلوب الفتيات جميعهن تخفق أعجابا وهياما , كلما تطلعت أي منهن ألى عينيه الساحرتين وأبتسامته الخلابة , كان خطأه الوحيد كرهه الشديد للظلم والأستبداد, وأعجابه القوي بالنبل والكرم والشهامة , كان أصغر أبنائي وأكثرهم وسامة وجمالا , وتوتو هو الشخص الوحيد الذي يذكرني به كثيرا , فهو يشبه أبني من حيث الملامح والتصرفات , أكثر مما يشبه والده".
ظلت روزالبا صامتة , وأكتفت بهز رأسها وتوجيه أبتسامة خفيفة كدليل ضعيف واه على الموافقة , أحست العجوز بأن ثمة أمرا ما غير طبيعي , فسألتها فجأة بلهجة حادة:
" من أنت؟ من المؤكد أنك تعرفين توتو جيدا , وألا لما كان أحضرك ألى هنا ".
لم تجرؤ روزالبا على ذكر أسم روسيني الذي يكرهه الجميع في هذه المنطقة , فأختارت الكذب على التهور وقالت بأرتباك :
" نعم.... أعرفه جيدا , وتربط بيننا .... صداقة قوية !".