وأثناء الليل أستيقظت أندريا وشقيقها بيتر من نومهما على صوت أجش صادر من مكان ما قريب منهما , ولم يشعر الآخران بذلك الصوت ألا أنه في صباح اليوم التالي قال فرغسون أن الصوت الذي سمعاه لا بد أن يكون لنمر كان في طريقه للشرب من مستجمع مياه صخري.
وقال بيتر وهو يقطع شراءح لحم لأعداد طعام الأفطار لهم :
" لقد أعتقدت أن النمور قد بدأت تنقرض هنا".
وأتفق معه جيمس فرغسون في الرأي وأضاف قائلا :
" فعلا..... ليست هناك نمور كثيرة في هذه المنطقة , كما أنه من غير المحتمل أن ترى نمرا أثناء النهار فعندما يسمع النمر صوت أقتراب أقدامنا لا يلبث أن يولي هاربا ".
وسألت أندريا :
" وماذا نفعل أذا صادفنا واحدا من هذه النمور ؟ هل نتسلق شجرة".
" كلا , أفضل طريقة لمواجهة النمور , هي أن تقفي مكانك دون حراك , وأن تحاولي ترويعه لطرده , أن معظم النمور ليست بالوحشية التي تبدو بها , ألا أنها بالتأكيد سوف تطاردنا أذا ما جرينا , أنها غريزة شائعة بين الحيوانات من فصيلة القطط".
" ولكن أخشى أن تدفعني غريزتي ألى الركض كالمجنونة ".
وضحكت أندريا ولكنها عندما تطلعت ألى جيمس بقامته الطويلة وبنيانه القوي , أدركت أنها في الواقع لا تخشى شيئا طالما أنه معهم , وشعرت بالدم يندفع ألى وجنتيها ,وبسرعة حاولت أن تشغل نفسها بوضع رباط جديد في حذائها , وبعد فترة عندما أخذوا يستعدون للرحيل , أقترب منها جوي قائلا في همس :
" أعتقد أنك لا تصدقين كل هذا الكلام عن النمور.....".
" ولكنني أصدقه...... ولم لا ؟".
" ما أسهل خداعك يا أندريا , أنه يريد بهذا الحديث أن يؤثر علينا".
" هل تعتقد ذلك, أظن أن رأينا فيه لا يهمنا كثيرا".
وأخرج جوي سيكارة من حقيبته وقال وهو يشعلها :
" أذن , لقد تأثرت بما قاله وبدأت تعتقدين أنه من النوع القوي العنيف".
وردت أندريا :
" أليس هو من هذا النوع فعلا؟".
وبدت السخرية في عيني جوي وقال :
" أذن تعترفين بأنك غيّرت رأيك فيه".
وسألته أندريا :
" ما الذي تهدف أليه؟".
منتديات ليلاس
وأتاها الرد في تهكم ظاهر :
" ما الذي أهدف أليه ؟ في أي حال أنك لا تعرفين متى قد تحتاجين أليه لينقذك من أخطار الوحوش!".
وبعد مضي ثلاثة أيام عندما بدا أن بحثهم أصبح عديم الجدوى , نزلوا على قبيلة صغيرة من الزنوج , وكان أفراد هذه القبيلة أقصر قامة من أفراد قبيلة تميار , وكانت ملامحهم زنجية واضحة , وكانوا في بادىء الأمر يخجلون من الأوروبيين , ألا أن مشاعر اللطف والمودة أتاحت مكانا للصداقة , وأصبح أفراد القبيلة مهتمين بمعدات التصوير الخاصة بجوي , وبالصندوق السحري الذي يسجل أصواتهم ألا أنهم ردوا بالنفي عندما سألهم جيمس عن المكان الذي تتواجد فيه الكهوف في هذه المنطقة , وجه جيمس حديثه للآخرين قائلا :
" لا تقلقوا , هؤلاء الناس من البدو الرحل , وربما لم يحضروا ألى هنا من قبل".
وأبدى جوي ملحوظة عندما قال :
" يا لهم من أشخاص بائسين , أنهم ليسوا أفضل حالا من الحيوانات ".
وأمسك بيتر غليونه بين أصابعه , وهو يقول :
" ولكنني لا أرى ذلك , أنهم يشعرون بالسعادة الكافية".
وأستطرد جوي معقبا :
" لأنهم لا يعرفون ما يفتقدونه ".
وأثارت هذه الملاحظات حوارا ساخنا بين الأثنين , تحول ألى خلاف أوسع في الرأي , وأنتهى بأن لجأ بيتر ألى حقيبة نومه , وأختفى جوي في الأحراش.
أما جيمس فلم يشترك هو أو أندريا في هذا الحوار الساخن , حيث كان مشغولا بفحص أدواته الطبية , ولكنه لم يكن بعيدا عما يدور ولذلك فأنه لم يلبث أن ألتفت ألى أندريا موجهاحديثه أليها , قائلا:
"لا تقلقي , فسوف يهدأ الأثنان في الصباح".
" آمل , أنني لم أشاهدهما من قبل يتشاجران هكذا".
" غالبا ما تتأجج المشاعر هنا في الغابة".
" حقا؟..... ولكنك لا تبدو كذلك!".
ونظرت أندريا ألى وجهه وكانت تتأمله , ترى ما هي المواقف التي تؤثر فيه , كانت تظن في بادىء الأمر أنه عديم المشاعر , ألا أنها الآن بعد أن شاهدته وهو يعامل أهالي البلاد الأصليين – أقتنعت بأن العاطفة لا تنقصه , كما أنه أيضا لا يفتقد روح المرح , كذلك تذكرت أندريا تلك الليلة في شرفة الأستراحة , عندما فشلت في أقناعه بقبول مرافقتها لهم في الرحلة , والآن , ورغم أنه لم تعد هناك روح عداوة بينهما , لكنها لا تستطيع أن تزعم أن العلاقات بينهما أصبحت على أفضل ما يرام , وأن كل التحفظات سقطت.