بقية الجزء الثانى
فى المطار
فى اللحظة الاخيرة وجدت هاتفها يرن ,نظر اليها كل من خالد و زياد فأشاحت وجهها عنهم و هى تخرج موبايلها لتجد صديقتها منى تتصل بها .
انها صديقتها التى كثيرا ما وقفت بجانبها ,تعارفوا فى المدرسة الثانوية , و قد كانت مصرية ايضا ,حتى العائلتان تعارفوا ,دمعت عيناها لفراقها و ردت بصوت اجش منخفض
علا:منى
منى:يا ندلة قولتلك هاوصلك المطار عديت عليكى لقيتك مشيتى
علا:ماكنتش عايزه اصعب الامور,انتى عارفه مش باحب الوداع
منى بصوت متأثر:علا اخس عليكى ربنا وحده اللى يعلم هاشوفك تانى امتى ,انتى عارفه انك هتوحشينى و مش هتوحشينى لوحدى منى حرام عليكى مستكترة نشوفك لاخر مرة.
صمتت علا تعلم ان منى تتحدث عن أخاها المعجب بها ,هى ايضا تكن له بعض المشاعر و رغم بأنه تقدم لخطبتها الا أنها رفضت لتقف بجانب والداتها فى مرضها.
فى الحقيقة هذا ليس السبب الوحيد فمن داخلها كانت ترفض الارتباط بأحد و خصوصا رجل . هكذا هى لا تريد أن ترتبط بشىء حتى تتألم حين فقدانه,لا تريد أن توكل حياتها تحت امرة أحد حتى لا تصبح سعادتها مرهونة به.
تريد ان تصبح حرة كطير, تريد أن تحلق ,تحلق وحدها ليس فى سرب ,هكذا هى تعلمت أن تتمتع بوحدتها.ستوقف نفسها و تتحكم فى مشاعرها حتى لا توقعها و ترتبط بأحد.
ردت على منى:منى خلاص ربع ساعة و الطيارة هتتطلع
منى:أحنا دخلنا المطار عموما انتى لسه ماوزنتيش
صاحت علا عندما علمت بمخطط منى:منى يا مجنونة
وجدت كلا من خالد و زياد ينظران اليها بغرابة فنظردت اليهما و ردت:عادى عادى ,حالة ممكن تجى لاى حد.
ابتسم خالد لها و صمت يبدو ان هذه المنى التى تحدثها قد بدلت مزاجها حتى تتحدث معهم بعفوية.
سمع الثلاثة صوت يهتف:علا لحقتك
استدار خالد و زياد ليجدا علا تهرول لتحتضن تلك القادمة و هما يتحدثان بشغف.لاحظا رجل يقف بجانب تلك القادمة ينظر الى علا نظرات بدت لخالد و زياد غير مريحة.
نظر اليه خالد لمتابعة نظراته وجده ينظر الى اخته بلهفة و عندما نظر اليها وجدها تتحدث مع صديقتها و تبتسم,تقدم عندما لاحظ اثر ابتسامة اخته على الرجل
خالد:السلام عليكم
نظرت اليه علا بغرابة ثم تحدثت بعد ان ردوا السلام لتعرفهم الى بعض:خالد اخويا ,منى صاحبتى,على اخو منى
ابتسم على و صافحه:اهلا استاذ خالد
مد خالد يده و تحدث اليه بلهجة محايدة:اهلا استاذ على
على :اتشرفت بمقابلة حضرتك,عظم الله اجرك.
لم يرد عليه خالد سوى بتمتمة لم تبد مفهومة
نظر خالد الى ساعته ثم تحدث الى علا:علا يلا هنتأخر و ده النداء الاخير
احتضنت الصديقتان بعضهم و بدت بعض الدموع فى الظهور فى عينى علا و لكنها لم تهبط ,وعدت صديقتها بمحادثتها فور الوصول .
منى:عارفه لو مكلمتنيش ,هاقعد ادعى عليكى
علا :ينهارك ابيض ,حرام انا على طريق سفر و ده كلامك ,هاكلمك ان شاء الله.يلا سلام
منى:هاشوفك تانى ان شاء الله,على هيجبينى.صح يا على
على:اكيد(ابتسم لعلا)فى امان الله
انحرجت علا من نظراته و تمتمت بكلمات و هى مطرقة راسها ثم ابتعدت عنهم بخطوات مرتبكة و اتجهت نحو خالد.
اكملوا الاجراءات و بعد دقائق كانوا قد استقروا فى الطائرة ,جلست علا بجانب خالد و بجانبه زياد.
دقائق حتى ابتدأ خالد حديثه بأدب استعجبته علا:ممكن اسألك سؤال
نظرت اليه باستغراب و تعجب و رغم فضولها لمعرفة سؤاله ردت:لا
خالد و قد ابتدأ بالشك:هو ايه اللى لا من حقى اعرف
علا بعجب:تعرف ايه؟
خالد:هو اخو صاحباتك ده كلمك فى حاجة قبل كده
علا و قد فهمت ما يرمى اليه و استنتجت ان خالد لابد لاحظ نظرات على المكشوفة و لكنها قررت ان تتعبه,ادعت الاستغراب و هى تقول:حاجة ايه
خالد:انا بسألك
علا:ايوه حاجة زى ايه
خالد و قد علا صوته من اسلوبها الذى جعل شكه يزداد:حاجة زى انه معجب بيكى,انكم ترتبطوا
تدخل زياد:خالد وطى صوتك فى ايه,شوف الناس بتبصلنا ازاى .كلمها بهدوء
و نظر زياد الى علا و قد لاحظ اسلوبها لنرفزة خالد و قد بدأ شكه ايضا يزداد:بطلى اسلوب التغابى لان انتى ممكن يكون فيكى اى حاجة غير انك متفهميش قصد اللى قدامك
نظرت اليه علا بعجب و هى تتساءل ما بالهما الاثنين نظرت الى زياد و هى تقول:ممكن يكون فيا اى حاجة ها؟وعموما مش هارد عليك بخصوص الموضوع ده دلوقتى لكن هاقولك حاجة واحدة خليك فى اللى ليك فيه.
زياد و قد ازعجه اسلوبها:متنسيش انى ابن عمك ها (و قرر ان يجرحها بقوله),لكن صحيح متعوديتش على وجود قرايب و لا سند هتعرفى منين
لاحظ اثر كلماته فور ان نطق به اذ ان وجهها بدا شاحبا و لكن نظرتها اصبحت قاسية,يالهى انه لم ير فى قسوة تلك النظرات ,هذه الكلمات اذا اردف بيها بنفس الاسلوب الذى تحدث بها اليها لأى من اخواته او بنات اعمامه لانفطرت امامه من البكاء ,لكن هذه الجالسة كل ما فعلته أن نظرت اليه ببرود ثم وجدها تبتسم باستهزاء (يالهى)هكذا ردد فى نفسه ,مما هى مصنوعة؟!. انها فقدت والداتها و لم يراها تبكى ,ذلك اليوم كان من المفترض ان تنهار بعد موقفها مع اخاها علاء و لكنها لم تأبه,بل استمرت فى تحديها لخالد ايضا,منذ دقائق كانت تودع صديقتها و كل ما لمحه دموع مجمدة تأبى ان تهبط .
ألا تشعر هذه الانسانة؟ألا تريد أن تخرج ما بداخلها؟
اغاظته ابتسامتها الهادئة,و اغاظه تأثير ما تفعله به,لطالما لم يهتم .ما الذى يجعله الان يهتم بما تفعله او تقوله.وجدها تنظراليه لتقول:صح انا متعودتش على وجود قرايب ,اصلهم ناقصين مبيسألوش على اللى من لحمهم و دمهم ,بس بالنسبة للسند فأنا مش محتاجه انا سندى ربنا و لا ايه يا قريبى
كل ما استطاع ان يفعله هو أن يضحك,يضحك بصوت عالى ,انها لا تسكت عن حقها فعلا.مسلية هى بردودها الغير متوقعة ,و رغم انها اهنته عندما اشارت اليه بالكلام انه ناقص الا انه لم يأخذ كلامها على محمل الجد
نظر الى خالد الذى نظر اليه مستغربا ضحكته :بتضحك على ايه (ثم اكمل بصوت منخفض)دى هزأتك
هزراسه و هو يبتسم:خدت بالى ,ثم نظر الى علا : معلش يجى منك اكتر
ثم نظر الى خالد مجددا:بعدين انت اخدتلى حقى خلاص
خالد:ايوه خدتلك حقك عشان هى غلطانة بس انت كمان غلطت الاول
زياد:ايوه عشان كده مقدرش اقولها حاجة,انا راجل دبلوماسى
تجاهله خالد و التفت الى علا الغاضبة من كلماته:نرجع لموضوعنا استاذ على ده مقالش حاجة
نظرت اليه علا بحنق و اكملت فقط لتسكتهم لان رأسها يؤلمها.رددت فى نفسها(حسنا لو لم يكن الصداع سيقسم رأسى ,اقسم أنى كنت اذللتكم لاتحدث عنه ):اسمه المهندس على ,مهندس هو مش استاذ ,لا صحيح تصدق نسيت انه حضر الماجستير يعنى تقدر تسميه الاستاذ المهندس على.
لاحظت الشرارت التى تخرج من عيني اخاها ,قررت ان ترحمه فأكملت:كل الموضوع أنه اتقدملى و رفضت بس
نظر اليها خالد و هو مازال مشككا :و رفضتى ليه؟
علا:عشان ماما كانت تعبانة ساعتها
نظر اليها خالد بدهشة :هى مامتك كانت تعبانة فبل ما تموت.
ابتسمت علا باستهزاء ,لا احد يعلم ان والداتها كانت مصابة بسرطان الدم ,و السبب ببساطة أن لا أحدأ منهم كان يسأل عن اخبارهم .قالت:ايوه كانت تعبانة (لم تعلم لما اردات ان تحسسه بتأنيب الضمير و لكن ارادت جرحه مثلما جرحها بحديثه عن والداتها فى اول مرة تراه فيها,انها لن تغفر له ما قاله)اكملت بصوت مستهزء:وقبل ما تسال كان عندها سرطان فى الدم.
هذا هو ما كانت تنتظره الصدمة التى بدت على وجهى خالد و زياد ,و الالم الذى ارتسم على وجه خالد ,لكنها للاسف لم تشعربرضا للالم الذى سببته له ,بل على العكس احست بسخط على نفسها,و كأنها تاجرت بمرض والداتها.
اكملت :ممكن بقى تسكت عشان عايزه انام.
وضعت السماعات و شغلت قرأن و اغمضت عينيها دليلا على انهاء حديثها معهم ,لتبدأ حديثها مع نفسها.
بينما كان الاثنان يغليان. فقد شعر خالد بالالم ,المته نفسه لحديثه عن والداتها عندما زارهم بطريقة سيئة,و المه الاكبر انها عانت مع والداتها و لم يكن هناك أحد بجانبهم.
قرر ان يأخذ معاها اسلوبا جديدا فى الحديث,انها تحتاج لمن يتحمل عنها,شتان بينها و بين نوران ابنة عمه التى فى سنها التى كل ما فى فكرها الخروج و صديقاتها.
و لكنه تسأل استسمح له بعلاقة جديدة,ربما لن يلومها ان لم تفعل فقد جرحها.
بينما زياد بدا مصدوما باعترافها,كان قد اغتاظ عن حديثها عن ذال العلى لاسلوبها فى الحديث عنه .و لكن ها هى تفاجئه بجديد ,اهذه الجالسة استطاعت تحمل كل هذا ,نظر اليها وجدها هادئة مغمضة عينيها.
كم تستفزه,تستفزه بقوتها,يريد ان يحطم لها هذا القناع,يريد ان يراها ثائرة , مهتاجة , باكية , منهارة, اى وضع يجعلها تظهر حقيقتها,حقيقة انها انثى,ضعيفة,محتاجة لاحد.
هل سيراها يوما هكذا ؟كما راها و هى تهدد اخاها قد بدت حينها شرسة ,لبوة تأكل من امامها اذا مسها,ولكن عندما فوجئت بهم و نظرت اليهم تلك النظرة البرئية المنصدمة بدت جميلة,رائعة بشعرها و وجهها و بنيتها الصغيرة.
عند هذه النقطة وعى لما يجول فى تفكيره ,انصدم انه عاد ليفكر فى واحدة ,و لكن لا ,يكفى ما اصابه.اغلق عينيه هو الاخر و حاول النوم للهروب من افكاره.