الجزء الثانى
و كان الوجه مكتئبا
و فى العينين أنهار من الدمع
و فى العينين أحزان
و أحلام تذوب تذوب كالشمع
وكان الصوت ممتلئا
من الاحزان
و صار الحلم فى عينيه دخان
و لم يغمض على الاشواك جفنيه
عبد العزيز جويدة
الصدمة بدت على الوجوه الاربعة,لم تستطع علا أن تستوعب العيون المحدقة بها الا بعد أن قفز علاء وراء احد الرجلين الذين ظهرا من دون توقع وهو يردد:خالد ,خالد الحقنى اختك اتجننت.
نظرت الى المدعو خالد ,وجدت الصدمة مرتسمة بوضوح على وجهه . لم تستوعب ما كان يفكر فيه اذ ان الموقف كله بدا غريبا ,غير مفهوما, كأنه احدى مشاهد روايات شكسيبير تلك التى لم تستثيغها .
لاحظت تبدل ملامحه الى الغضب و تلك العينان التى كانت الصدمة جلية فيهما اصبحا قاسيتين ,غاضبتين ,.....
كل ما هداه اليه عقلها المشوش ان هذا المدعو خالد هو اخاها و تلك العينان..... ,لم تستطع ان تكمل تأملاتها اذ انها فوجئت برجل بجانبه ,كانت ثوانى و ما جال فى عقلها
( انها بلا حجاب)
(بلا حجاب !!)
,كل ما استطعت ان تفعله هو ان تغلق الباب فى وجههم بعنف .
استندت الى الباب و هى تردد (استغفر الله العظيم,استغفر الله العظيم ,استغفرالله العظيم)
(سبحانك اللهم انى كنت من الظالمين,سبحانك اللهم انى كنت من الظالمين ,سبحانك اللهم انى كنت من الظالمين اللهم اغفر لى خطيئتى ,و الهمنى الصبر )
رددت دعواتها ثم قفزت الى حجرتها ارتدت حجابها و اخذت نفس عميقا ثم فتحت الباب مرة اخرى ,الامر كله لم يستغرق سوى دقيقة ,و لكنها احست انها دهر .
خرج صوتها ضعيفا و هى تقف الى جانب الباب و تشير بيديها ان اتفضلوا:اتفضلوا
خطا خالد اولا ثم من معه ثم اخاها و لم تنس ان تنظر اليه بقسوة و تهمس اليه بصوت بدا له غريبا ان الله اعطاه عمرا جديدا.
لم تعلم ما جعلها تبتسم ,ربما ما قالته لاخيها اذ انها احست انها مجرمة و انها سترتكب فيه عملا شنيعا فعلا .
صمت كان للحظات ثم قطعه اخوها خالد بصوته:مافاتش على وفاة امكم كام يوم و صوتكم طالع برا ما شاء الله
لم تعلم لما ارادت ان تمسك اقرب ما تصل اليه يداها لتقذفه به ربما لانه كان يتكلم بنبرة ساخطة,ام ربما لانه رمقها بنظرة غاضبة فيها كثير من الكره ,ام ربما انه بدأ لعب الاخ الكبير الذى لن يستطع ان يتقنه ابدا.
ليس هناك من ربما اخرى ,ما ارادت ان تفعله كان حقا لانه لم يعزيها فقدان والدتها حتى و بمجرد ان تحدث حتى بدأ بالنقد دون ان يتسأل حتى عما حدث.
نظرت اليه حانقة, و اخد شعورها بالغضب من نفسها يزداد ,نعم يزداد .ربما لانها فكرت ان تذهب معه ,لانها تأملت ان تصبح علاقتها معه جيدة,تأملت فيه خيرا و لكن بعد ان رأته الان علمت ان كالعادة تأملاتها خطأ.
نظرت اليه بصمت وهو يكمل :ممكن افهم يا انسة (و نظر الى اخته) بترفعى على اخوكى الكبير السكينة ليه.
اول ما ارادت قوله له ان يذهب الى الجحيم هو و اخاها الااخر,كم استتفزها كلامه,لم يسبق ان تحدث اليها احد بهذه الطريقة ,هى التى تفرض الاحترام و الحديث اللبق على من يتحدث معاها من قبل ان تتفوه بكلمة حتى يأتى هذا المدعو اخاها و يكلمها هكذا و لكن لابد ان تبدو باردة الاعصاب و تهدأ فعلى ما يبدو هكذا سيكون التعامل بينهم.
(استغفر الله العظيم ,يا رب صبرنى )هذا ما تمتمت بيه لعلها تهدأ.
نظر اليها خالد:نعم,قولتى حاجة.
علا بحنق:قلت ربنا يصبرنى اذا كان ده اولها,(ثم نظرت اليه بحدة ,تعلم ان عينيها الحادتين يعطيان انطباع عن مدى كرهها لاخر عندما تنظر هذه النظرة)عقدت يديها و اكملت
و توفيرا لوقتك ليه متسألش الاستاذ (قالت الاخيرة وهى تحاكيه عندما ردد اليها يا انسة).
نظر اليها خالد بغضب و بلهجة أمرة:اعتقد انى سألتك انتى الاول .
علا:و اعتقد انى جاوبتك ,عموما يمكن الاستاذ (ها هى مرة اخرى تسخر منه)مش عايز يتكلم.
خالد:علاء,فى ايه؟
يا الهى ,حقا ارادت ان تعود لتمسك بهذا السكين و لكن هذه المرة ربما تهدد بيه خالد (شكلى هابقى مجرمة فى العيلة دى) كم اغاظها نبرته الهادئة الطبيعية مع اخاها.
علاء و يعلم ان خالد سيضايقه ان علم بالامر فعلا :مفيش سوء تفاهم بس
ابتسمت علا بانتصار و نظرت الى خالد الذى صرخ فى علاء:بتهددك بسكينه و بتطردك من البيت و انت تقولى سوء تفاهم,شايفنى قصادك ايه عشان اصدق الكلام ده.
علاء ببرود :ده اللى حصل.
ذهبت علا و صنعت فنجانين من القهوة ثم وضعتهم امام خالد و من معه ذلك الجالس الذى لم ينطق بكلمة منذ بدء الحديث فقط يتابع ما يحدث.
قال خالد بقصد اغاظتها :طب ما انتى بتفهمى فى الاصول اهو.
جلست علا امامه ببرود و وضعت رجل فوق الاخرى :طبعا,القهوة دى عشان المرحومة والدتى
و عندما هم بامساك فنجانه رددت:اقرلها الفاتحة قبل ما تشرب.
نظر اليها بغضب :ليه انتى جايبلنا القهوة صدقة على روحها,شايفانا ايه؟
علا ولم تفهم موقفه:انت ايه مشكلتك؟ (سألته بهدوء) كل اللى طلبته منك تقرالها الفاتحة ,بعدين هى مش محتاجة قريتك يعنى
علاء نهرها:علا
علا بغضب:نعم ,مش شايفاه قال ايه
ردد زياد:اهدى يا انسة علا هو مكانش قصده حاجة
نظرت اليه و كانه تقول له خليك فى حالك :ممكن اعرف حضرتك بتتكلم بصفتك ايه
سبقه خالد:ده ابن عمك و ياريت تكلميه باسلوب احسن من كده ,انتى ايه مفيش حد عاجبك ,متعرفيش تحترمى حد ,هو ده اللى اتربيتى عليه
نظرت اليه علا و قالت:انت جاى ليه اصلا؟عشان تعيب فى تربية والداتى ,ده عزاك ليا فيها عموما عزاك وصل و واجب الضيافة كمان وصل
علاء نهرها:علا ,خالد هى متقصدش هى بس اعصابها تعبانة من وفاة الوالدة
نظرت اليه علا باستهزاء .
خالد:تعبانة مش تعبانة هى حرة,انا جاى اقولك ترتبتى حاجاتك عشان هترجعى معايا
نظرت اليه علا :انا قولتلك لسه هاقرر
خالد:مفيش حاجة اسمها تقررى انا ولى امرك دلوقتى و مش هاسيبك تقعدى هنا
علا:لا و الله ,ولى امر اول مرة يشوف اللى متوليها صح ,اخر نكتة و الله
خالد و قد قرر تجاهلها:شوفى الامور اللى عايزه تخلصيها هنا ,و قولولى لو فى حاجة (التفت لعلاء)و انت هتخلص جامعتك و تحصلها على هناك سامع
علاء:ربنا ييسر
خالد و قد اخرج الكرت من جيبه:خدى اتصلى بيا لو احتجتى حاجة , على الموبايل طبعا ,و هاحجز كمان اسبوع يعنى خلصى امورك فى الاسبوع ده ,لو فى حاجة هتشحينها,عايزه تتصرفى فى الشقة او حاجة كلمينى اخلصهالك ,و الكلية هتدخليها هناك اسحبى ملفك بس و انا هاظبط بقية الامور
تجاهلت علا يديه الممدودة بالكارت :هاصرف امورى
خالد:عندك جواز سفر طبعا
علا:ايه رأيك يعنى اكيد عندى
لاول مرة يبتسم خاالد اذ ان كلمتها هذه ذكرته انها اخته فعلا ,بينما هى استغربت ابتسامته و كشرت فى وجهه حنقا.
خالد:تمام كده ,هابقى اعدى عليكى اشوفك عايزه حاجة و لا لا
علا:مش هاعوز
خالد:يعنى ماجيش؟(لم يمهلها فرصة للرد و اكمل)عموما مش بمزاجك
اتجه نحو الباب هو و زياد ثم التفت لعلاء قبل ان يخرج و قال له :اظنك هتخرج معانا بما انك اطردت من شوية.
ابتسمت علا و اقرت ان هذه افضل جملة نطقها منذ جلوسه ,لاحظ خالد ابتسامة علا و لم يعلق ثم نظر الى علاء مناديا فتوجه معه الاخر.
بعد خروجهم كل ما استطاعت ان تفعله هو التنفس بارتياح ,ذهبت لتعد لها طعام اذ انها لا تريد ان تفكر فى زيارتهم الان.
على الجانب الاخر
بعد خروج خالد و زياد و ركوبهم السيارة ,خيم صمت للحظات عليهم ثم كسر خالد الصمت
خالد:ايه رأيك؟
ابتسم زياد:عدوانية جدا
خالد ابتسم هو الاخر:شفتها و هى ماسكة السكين (ثم ضحك)و كله كوم و منظر علاء كوم
انفجر الاثنان فى الضحك ثم صمتوا بهدوء
خالد:تفتكر عملت كده ليه
زياد:معرفش بس شكل علاء هو الغلطان بما انها عملت فيه كده و مرضيش يتكلم.
اخذ خالد يفكر فى الموقف كله اعجبته عندما خرجت بحجابها ,هذا هو الشىء الوحيد الذى عجبه فى الواقع ,لكن لسانها السليط و نظرتها المتحدية و عدم احترامها جعلوه يتساءل عما سيحدث فى المستقبل.
اخذت تسترجع ما حدث ,كانت سليطة اللسان حقا لكنه مستفز ,لم تتصور ان يكون هكذا .حقيقة قد تصورت الوضع مختلفا ,كانت علقت عليه أمال ,و لكنها تحطمت ,تحطمت منذ رأت نظرة الغضب فى عينيه لما فعلته مع علاء.
و لكنه يشبه والداها كثيرا ,له نفس العينان و لكن تنيك العينان كانت نظرتهما حنونة ليست مثل عينيه غاضبة, قاسية ,مخيفة .تساءلت عن حياتها المقبلة
و لكن تفكيرها لم يستغرق طويلا ورددت لنفسها (وكلى امرك لله يا علا هو اللى ليكى) و قد كان .
سرعان ما ظهر تفكيرها العملى ,ما تحتاجه ان تسحب ملفها و تحول حسابها الى احد فروع البنك بالقاهرة .
لن ادعه يصرف مليما علي .هكذا قررت ,ستضطر الى بيع الشقة انها لا تريدها ,اذ انها تذكرها بايام مرض والداتها.
ستكلم عمها صالح ,جارهم الاماراتى ليحاول ايجاد مشترى باقصى سرعة و قد كان.
اليوم هو يوم سفرها الى مصر
حياة جديدة
أناس جدد
لا تعلم ما ينتظرها هناك و لكنها متوكلة على من لن يخذلها ابدا,انها متوكلة على ربها.
كل شىء تم كما خططت سحبت ملفها,نقلت حسابها ,كلمت جارهم و فعل كل ما بوسعه و انتقى لها مشترى لم يبخس لها ثمن الشقة و اليوم سيستلمها من جارهم بعد أن وقعت العقود معاه ,اودعت المبلغ الجديد بحسابها هناك و لكن بعد ان اخذت منه ثمن التذكرة التى دفعتها .
فاجئت اخاها بشراءها التذكرة ,لم تنس غضبه و حنقه عليها ,و لكنها اوضحت له انها لا تريد ماله فلديها ما يكفيها .
الان و هى تدخل المطار مع اخيها و ابن عمها مرتدية عباءتها السوداء الواسعة و طرحتها التى تغطى شعرها بأكمله,وجهها خالى من الزينة فهذه طبيعتها.تشعر بالم فى قلبها ستفارق المكان الذى عاشت فيه,نعم كانت ظروفها هنا صعبة ,و مرت عليها أيام مريرة و لكن عندما تتذكر ما هى مقدمة عليه تجد نفسها تتشبت بهذه الارض التى عانت فيها .
يتبع