أدار رافاييل مقود السيارة نحو طريق ترابي يمر عبر منطقة الأكواخ , حيث كان الأطفال والنساء يحبونه بحرارة , وشاهدت ميراندا عن كثب الأوضاع المتردية لهؤلاء الناس , وخاصة بالمقارنة مع الثراء والأزدهار اللذين ينعم بهما القصر وأسياده , أنها لجريمة أن يكون هناك مثل هذا الفارق الشاسع في مثل هذا المجتمع الصغير والضيق! ولكنها لم تقل شيئا لأن أفكارها تحولت ألى معرفة المكان الذي يقصده رافاييل , وما هي ألا لحظات , حتى وصلا ألى منطقة مرتفعة تشرف على النهر ويقع رافاييل السيارة وقال لها بلهجة جافة ألى حد ما , عندما لاحظ تشككها :
" تعالي ! سأقدم لك بعض القهوة , يا آنسة".
" هذا هو ... هو بيتك ؟".
جاء سؤالها على هذا النحو يعكس مدى دهشتها , ولكنها ندمت على أظهار أستغرابها عندما أجابها بشيء من الحدة قائلا :
" نعم , يا آنسة , هذا هو المكان الذي أعيش فيه أثناء وجودي هنا , أنه ليس على أي جانب من األأبهة والفخامة كالقصر , ولكنه نظيف ويناسبني تماما".
نزلت ميراندا من السيارة وهي تكاد تتعثر , وقالت له بتلعثم :
" أنا ... أنا لم أعن .......! ما أريد قوله هو أنه..... أنه بيت جميل!".
فتح الباب ودعاها ألى الدخول قبله , ثم أشار ألى مقعد مريح متواضع قائلا :
" تفضلي بالجلوس , لن أغيب سوى لحظات ".
ها كان عليها أن تقترح أعداد القهوة بنفسها ؟ ولكنها لا تعرف ما أذا كان يسكن وحده في هذا البيت! وتذكرت كلام أخته أنه يفكر كطبيب , هل هو طبب ؟ هل هذا هو بيته وعيادته في آن واحد ؟ وماذا كان يعني عندما قال أنه يسكن هذا البيت أثناء وجوده هنا ؟ أين يمضي بقية وقته؟ أقتربت من باب المطبخ الصغير وسألته بهدوء :
" هل يمكنني المساعدة بشيء؟".
" لا , لا داع لذلك , أنني أكاد أنتهي من أعدادها ".
شعرت ميراندا بأنها شخص غير مرغوب فيه , ومع أنها لم تعرف سببا لذلك , ألا أنها رفضت الوقوف أمامه كفأرة صغيرة محاصرة , وضعت يدها على الطاولة الي بدا أنها تخدم كمائدة طعام ومكتب للعمل في الوقت ذاته , وسألته :
" هل تعيش هنا بمفردك؟".
" ألى حد ما ".
" ماذا يغني ذلك؟".
" يعني أن طبيب المنطقة يترك لي أحد مرضاه كي أعتني به , وخاصة لأنني أملك غرفا يمكن أستخدامها لهذا الغرض".
" وهل أنت طبيب؟".
" يحق لي أن أضع هذا اللقب قبل أسمي , أذا كان هذا ما عنيته أيتها الآنسة".
لم تفهم ميراندا تلك الملاحظة الغامضة , ولكنها راحت تتأمله فيما كان يصب لها القهوة , ثم قال لها :
" تفضلي! لنذهب ألى غرفة الجلوس ".
" لا حاجة لذلك , فلا بأس بالجلوس هنا".
منتديات ليلاس
تأملته ميراندا فيما كان يرفع الفنجان ألى شفتيه , وأستغربت مدى حشريتها لمعرفة المزيد عن هذا الرجل , أنه بالتأكيد شاب وسيم وجذاب , ولكنها ألتقت في حياتها عددا كبيرا من الرجال أكثر وسامة وأشد جاذبية , أذن , ما هو هذا الشيء الذي يجذبها أليه ويشد عينيها بأستمرار ألى وجهه الأسمر العابس؟ وسألت نفسها عما سيكون عليه رد فعله فيما لو أظهرت له أنها تجده جذابا! قد يكون الأمر مسلبا , ذلك أنها لم تلتق طوال حياتها رجلا آخر لا يعير شخصيتها وجمالها أي أهتمام أو أنتباه مثل هذا الرجل , وعضت على شفتها بشدة ,وهي تذكر نفسها بالسبب لوجودها في هذه البلاد , ثم سألته بهدوء بالغ :
" هل تعتقد أن علي الأنتظار بضعة أيام قبل أتخاذ أي قرار فيما يتعلق بأبنة أختي؟".
" من الطبيعي , يا آنسة , أن الأمر عائد لك كي تقرري ما هو الأفضل".
" لماذا تصر على مناداتي هكذا ؟ آنسة! لماذا لا تناديني بأسمي , ميراندا ؟".
" وهل يناديك أخي بأسمك الأول , يا آنسة؟".
ردّت عليه بشيء من العصبية قائلة :
" لا , طبعا لا , أنني لا أكاد أعرفه".
" وهكذا بالنسبة أليّ , يا آنسة".
حاولت أن تقنع نفسها بأنه على حق , ألا أن علاقتها معه تختلف عما هي عليه مع شقيقه , وذلك لسبب أو لآخر , هل بدأت تعتمد على رافاييل ألى حد ما ؟ أحتجت على ملاحظته بهدوء وتردد , قائلة :
" أشعر .... أشعر كأنني أعرفك منذ زمن , لا أقدر ....لا أقدر أن أشرح لك بالضبط , ولكن....... ولكن الوضع معك مختلف بعض الشيء ".
أدهشها رد فعله القاسي الذي عكسته ملامح وجهه العابس وكلماته الجارحة , أذ قال ببرودة مزعجة :
" أنت مخطئة , يا آنسة , فعلاقتنا ليست مختلفة بأي حال من الأحوال! أخي , وليس أنا , هو الشخص الذي يجب عليك التحدث معه والأعراب له عن شكوكك ومخاوفك!".