3- ظهور مفاجىء
لم تنم ميرندا من قبل في سرير بمثل هذه الفخامة والضخامة , لا بل لم تكن تعلم بوجود رفاهية كهذه , فقد ولدت ونشأت في بيت عادي بسيط لحين مقتل والديها في حادث سيارة , وبما أنها كانت لا تزال طالبة في سن المراهقة , فقد أضطرت للعيش مع شقيقتها سوزان المتزوجة حديثا .
كانت ميراندا وسوزان مختلفتين تماما من حيث المزايا والصفات والطباع , وتسببت غيرة سوزان من شعبية أختها الصغرى في المدرسة والمجتمع بأحداث قدر كبير من التنافر بينهما , ومع ولادة لوسي , أخذت تخصص معظم وقتها وأنتباهها لأبنتها وتهمل بالتالي نفسها ...... وزوجها , وأدى ذلك مع مضي الوقت ألى تحول أهتمام بوب ألى شقيقة الزوجة , لم تشجعه ميراندا على هذا التحول , ألا أن طبيعتها المرحة وشخصيتها المحببة جعلتاه يتودد أليها وهي جاهلة تماما نواياه السيئة , وكان لحسن حظها أنها أكتشفت حقيقة أهدافه في الوقت الذي كانت تستعد فيه للأنتقال من المدرسة الأعدادية ألى الكلية ...... بعيدا عن شقيقتها وصهرها , وعلى رغم تلك المارسات غير الطبيعية وعلاقتها المتشنجة معهما , فقد أصيبت بصدمة قوية عندما علمت بأنهما فقدا وربما قتلا.
تثاءبت وحرّكت قدميها بتكاسل تحت الغطاء الحريري الثمين , فيما كانت تلك الأفكار والذكريات المزعجة تمنعها من النوم , وأبتسمت عندما تذكرت أحدى الخادمات وهي تنادي صاحب البيت دون خوان , أي السيد خوان , لم تتوق أبدا أن تلتقي شخصيا ب ( دون ) خوان حقيقي , مع أن الذي ألتقته قبل ساعات قليلة لا يشبه من قريب أو بعيد العاشق المغامر الفذ الذي تحدثت عنه الأساطير , وقالت لنفسها أن شقيقه رافاييل يجسد ألى درجة الكبيرة ذلك البطل الأسطوري.
منتديات ليلاس
ضربت ميراندا بعصبية على وسادتها وسألت نفسها بحدة وتململ عن سبب تحوّل أفكارها بأستمرار ألى ذلك الرجل! كان قاسيا وجافا معها , بل أنه حتى لم يستخدم معها أسلوب المجاملة المتعارف عليه ! تصرّف معها كأن مجيئها لأخذ أبنة شقيقتها الراحلة جريمة لا تغتفر ! ومع ذلك , فالشاب جذاب للغاية وكان أول رجل يعاملها بمثل تلك اللامبالاة , وعلى الرغم من أن خوان تصرف معها بطريقة مختلفة تماما , فأنها لم تشعر أتجاهه بجزء مما تحس به بالنسبة ألى رافاييل ,لا بل أنها لا تشعر نحوه بأي شيء على الأطلاق.
بعد ذهاب رافاييل , رافقتها السيدة أيزابيلا ألى الداخل , وبدا واضحا لميراندا أن سيدة القصر , كأبنها البكر , لا تحبّذ كثيرا قدوم الزائرة البريطانية ألى غواداليما , ألا أنها كانت بلا شك أكثر تهذيبا وتأدبا معها , كما أثبتت أنها مضيفة رائعة , فبمجرد دخولهما , قالت لها :
" أنك بالتأكيد متعبة جدا من رحلتك الطويلة المرهقة , وأنا أقترح تأجيل الأحاديث المتعلقة بالطفلة حتى الصبا , سوف أرشدك ألى غرفتك المعدة سلفا وأبعث لك بطعام العشاء ".
شكرتها ميراندا بتهذيب مماثل وبدون تردد لأنها فعلا كانت متعبة وبحاجة ألى الراحة , وتصورت أن السيدة أيزابيلا , مثل رافاييل , كانت تتوقع وصول سيدة أكبر سنا وأنها تحتاج لبعض الوقت كي تتأقلم مع الواقع الجديد , وفي تلك اللحظة , فتح باب عريض ألى يسارها ودخل منه رجل لا بد أنه خوان كويراس , لاحظت ميراندا على الفور الشبه بينه وبين أخيه , مع أنه أضخم جثة وأقصر قامة ,وسمعته يسأل أمه بأستغراب :
" ما هذا ؟ أين رافاييل؟".
ثم علت وجهه أبتسامة عريضة وعاد يسأل والدته ثانية , ولكن هذه المرة بالأنكليزية بدلا من الأسبانية :
" هل رافاييل هنا , يا أمي؟".
" أتى وذهب على الفور , تأخرت طائرة الآنسة ......... الآنسة لورد في جمايكا يوما كاملا , ولذا لم يتمكن من العودة أمس".
ثم عضت على شفتها السفلى وقالت لميراندا , مشيرة ألى الباب الواقف قربهما :
" أعرّفك بأبني , يا آنسة , السيد خوان كويراس ".
ردّت ميراندا على أبتسامة خوان بالمثل قائلة :
" أنني مسرورة بالتعرف أليك , وأود أن أعرب لك عن أمتناني لحسن ضيافتك ".
تأملها خوان بدقة متناهية ثم هز رأسه وسألها باسما :
" هل أنت خالة الطفلة؟ لا يمكن , فأنت نفسك لست أكثر من مجرد طفلة كبيرة!".
كانت كلماته مماثلة لتلك التي أستخدمها شقيقه , ولكن لهجته ونيته كانتا مختلفتين ألى حد كبير , وسرّها أن تجد شخصا واحدا على الأقل في هذه العائلة لا يعترض على وجودها في غواداليما , مع أنه هو الذي لا يريد التخلي عن الطفلة , وبدت الوالدة أقل حماسا لمتابعة الحديث , أذ قالت :
" كنت أقترح لتوي على الآنسة لورد أن تذهب ألى غرفتها لأنها متعبة جدا , وبالتالي فأن جميع الأحاديث المتعلقة بسبب وجودها هنا يمكن تأجيلها حتى الصباح ".