كاتب الموضوع :
اماريج
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
5- فرس في الأفق!
****************************
أشرقت الشمس بكل جلالها لتغرق الأرض بأولى هبّات الموسم الحار , أختالت مبطنة في قبة السماء , ورمت بردائها الذهبي على العشب الطري الذي أستيقظ للحياة عند أولى زخات أمطار تشرين( أكتوبر).
القطعان أنتشرت بتكاسل على التلال تلتهم الطعام في هدوء, تحت أشراف العمال الذين أستفاقوا مع الفجر ليعتنوا بها.
وفي الأفق , ركضت فرس بنية اللون تسابق الريح جذلى وهي تفتح صدرها لروعة الشروق , وأستراح دارت على صهوة جواده يراقبها عن بعد , لا بد أنها كولبي! كم من الأميال يا ترى قطعت هذا الصباح , يجب أن يمنعها من الأبتعاد عن المنزل أكثر من أثنتي عشر ميلا , ما لم يكن معها رفيق يحميها , وأبتسم وهو يتخيل رد فعلها على هذا القرار الجديد.
يا لها من فارسة ماهرة , كانت تشكل والفرس وحدة منسجمة تتمايل على الأيقاع ذاته , كان يتطاير في الهواء حرا بعدما سقطت قبعتها عن رأسها , لتستقر على ظهرها عالقة بخيط رفيع حول العنق.
منتديات ليلاس
تستطيع هذه الفتاة رغم رقتها , أن تتعامل مع معظم الخيول في أسطبله , طبعا ما عدا جواده الخاص الذي يحتاج للسيطرة عليه , ها هي تقترب منه الآن ! أنه يرى ملامحها تتألق فرحا بروعة الصباح , وحمرة خفيفة تركتها الشمس على وجنتيها , لو حت له بدها
وصرخت عن بعد:
" دارت أنتظرني!".
كم مرة سمع منها هذه العبارة عندما كانت طفلة , أنفرج فمه عن أبتسامة ساخرة فور وقوفها الى جانبه .
" أرى أنني لم أضيع وقتي بدون جدوى ساعات طويلة في تعليمك الفروسية , أنت فارسة أصيلة يا آنسة كولبي".
" فرسي هي الأصلية".
كانت فخورة فيها , أنحنت تربت بحنان على عنقها الجميل الحساس :
" قولي لي يا آنسة كولبي , ما هي المسافة التي قطعتها اليوم؟".
وضحكت عيناها وهي تشد لجام سورشا لتدور بها حول دارت:
" أرفض الأجابة على أي سؤال قبل الساعة العاشرة صباحا".
وأضافت مداعبة:
" لا تقل لي أنك ستصدر قرارا جديدا يا عزيزي دارت , يحدد المسافة المسموح لي بأن أجتازها كل يوم".
وقطب دارت حاجبيه , وقبل أن يجيب بكلمة واحدة أنطلقت كولبي بفرسها , وعلى بعد أمتار قليلة أنحنت برشاقة لتقطف وردة قبل أن تنتصب بأعتداد على صهوة جوادها , وعادت الى دارت والوردة في شعرها , رمزا أنثويا للأنتصار.
جمد دارت كالتمثال فوق حصانه , ولم يخن وجهه الصلب ما يشعر به , لجمت كولبي فرسها قربه وهي تحس بالحياة تضج في عروقها , وفجأة تحرك دارت كالشرارة ليرفعها عن صهوتها بلمحة خاطفة , ويضعها على السرج أمامه .
" ما زال أمامك الكثير لتتعلميه".
ونظرت اليه معجبة بمهارته وسرعته , كانت الشمس تتلاعب فوق وجهها الجذاب , وبدت عيناها الخضراوان أكثر أخضرارا
وأجابته بمرح طفولي:
"أليس أمامنا جميعا الكثير بعد لنتعلمه؟".
وألتقت نظراتهما في تحد , فأعاد دارت وضع القبعة على رأسها قائلا:
" هذه القبعة صنعت لترتديها ".
|