جلس على جذع شجرة كبيرة , وعلى وجهه المرح الصغير أبتسامة مميزة لا يراها المرء الا على وجوه الشرقيين , وتذكرت كولبي كم كانت تستمتع برفقته المسلية وهي طفلة , كان صديقا لكل أطفال المزرعة , ومشت كولبي اليه وهي تحاول أن تتجنب غيوم الغبار المتراكم في الجو.
" مرحبا يا لي , كم أنا سعيدة برؤيتك مجددا".
" وأنا كذلك يا آنستي".
وقفز من مكانه لينحني لها بأحترام , صوته ما زال فيه تلك الرنة الغنائية القديمة , وأشارت كولبي بأصبعها الى قالب كبير من الحلوى:
" ما أشهى مظهره".
ولم تكد تنهي كلماتها حتى أمسك الصيني بسكينة ليقطع لها جزءا كبيرا منه :
" هذه القطعة لك وحدك يا آنستي , هؤلاء الرجال لا يشعرون بالسعادة الا أذا أطعمتهم حتى هنا".
منتديات ليلاس
وأشار بيده الى نقطة وهمية فوق رأسه.
" " أنتظري يا آنستي , سأهب لك فنجانا من الشاي , كنت أعرف أنك ستأتين اليوم , ولذا أحضرت لك كوبا جميلا من الزجاج الصيني".
" شكرا لألتفاتتك الطيبة".
وأنحنى لها مجددا , فبادلته كولبي الأنحناء مبتسمة , وعادت الى مكانها الظليل , الرجال ما زالوا يتوافدون الى عربة الطباخ , فتوقعت أن يلحق بهم دارت ليستريح برهة , ألا أنه تابع عمله الى جانب الطبيب.
وتناولت كولبي كوب الشاي ببطء , وعندما فرغت منه , وقفت لتعيده الى الطباخ ,رفع العمال قبعاتهم تحية لها عندما مرت مبتسمة قريبا منهم , كان من النادر وجود أمرأة في مكان كهذا , وحررت كولبي خصلات شعرها من المنديل , كان الجو شديد الحرارة.
ولم يتوقع أحد ما حدث بعد ذلك , ماغاني , وتد أيفانز كانا يحاولان السيطرة على ثور كبير لكنه تمكن من الفرار من قبضتهما وفي عينيه الصغيرتين تهديد بالأنتقام من معاملة الأنسان , وأتجه الثور الغاضب نحو الفتاة , التي بدأ شعرها المكشوف وكأنه شعلة من نار , الرجال كلهم تحركوا في الوقت ذاته, فسقطت أكواب الشاي , وتبعثرت قطع الحلوى , وأمتدت الأيدي الى الأسواط في محاولة يائسة لتجنب الكارثة .
جمدت كولبي مكانها والخوف يشلها , ورفضت ساقاها التحرك , وكان دارت أول من تمكن من الوصول اليها بسرعة , حماها بجسمه ودفعها بعيدا عن طريق الحيوان الهائج , وسقطت وجرحت ركبتها.
أندفع الثور نحوها والشرر يتطاير من عينيه , وأحست كولبي بالرعب يعصر معدتها , أصبح دارت في خطر حقيقي , وجهه القوي بدا صلبا كالصخر , وتقلصت عضلات جسمه أستعدادا للمعركة , الرجال كلهم جمدوا في مكانهم
وبدا وكأن أحدا منهم لا يجرؤ حتى على التنفس , فالثور كان قريبا لدرجة لا يمكن معها تجنب الهجوم , ولذا كان لا بد من المجابهة , ثبت دارت قدميه في الأرض وبيديه القويتين أمسك بذيل الحيوان فور أقترابه منه
وقبل أن يستعد الثور لمجابهة التحدي , كان دارت قد تمكن من أخلال توازنه , فسقط أرضا وفي أنفاسه المتلاحقة مزيج من الغضب والخوف , وأسرع الرجال من كل صوب للسيطرة عليه , وربط قوائمه الأربع.
منتديات ليلاس
نظرت كولبي الى دارت , فرأت قميصه الممزق ملطخا بالدماء عند الكتف , أستطاع الثور أن يطعنه أذا قبل أن يسقط أرضا , وأغلقت كولبي عينيها بسرعة وهي تشعر بالغثيان , ترنحن وكادت تسقط لولا أن أسرع مايك فاراداي الى جانبها ليساعدها على الوقوف .
" هل أنت بخير يا كولبي؟".
نسي أن يدعوها بالآنسة كينغ , الألقاب في تلك اللحظة لم يكن لها أي معنى , ولاحظت كولبي رغم توترها أختفاء طابع اللامبالاة عن وجهه أذ دل على شحوبه الواضح على الخوف الذذ عرفه الجميع قبل دقائق.
" كانت دقائق مرعبة فعلا يا كولبي , شكرا لله أن دارت من أمهر رعاة البقر , ما قام به يتطلب جرأة فائقة".