" ألا تعرفين موعد عودة السيد دارت الى المنزل:
" بصراحة لا".
" حسنا , سأذهب , تصبحون على خير".
" وأنتم من أهل الخير يا سيدة أيفانز".
وبعد أنتهائهم من تناول القهوة , عرضت كولبي تنظيف الطاولة من الأكواب والصحون , فأسرع ستيفن لمساعدتها
مما لفت أنتباه بيللا التي علقت ضاحكة:
" هذه سبقة في كنغارا ! أن يعرض ستيفن خدماته".
"لا بد أنه تأثير كولبي يا أمي".
بعد ساعات كانت كولبي لا تزال مستيقظة تحدق في الظلمة التي لم يكن يضيئها أي شعاع قمر , النجوم فقط كانت تتألق في السماء وكأنها أحجار من الماس تناثرت بفوضى مدروسة
الهواء أبى أن يخلد الى النوم وأصر على متابعة صفيره الهادىء قرب جانب المنزل , السكون خيّم برهبته على جميع الكائنات ولم يجرؤ على تحديه ألا طير ليلي أختفى في مكان ما يتنهد عاليا.
منتديات ليلاس
وبرغم تعبها الشديد لم تتمكن كولبي من النوم , جلست في فراشها تستنشق رائحة الياسمين تحاول عبثا أن تعرف سبب توترها , أسترجعت في ذهنها صورة أفراد عائلة دارت
وتوقفت طويلا عند سوزان حائرة في تفسير نفور الفتاة منها وقطع حبل أفكارها صوت سيارة تهدر في البعيد , ففي السكينة تفرض أصغر الأصوات ذاتها على الأعصاب الساهرة.
نهضت كولبي من فراشها وأشعلت الضوء الصغير قرب السرير , الساعة كانت تجاوزت الحادية عشر والنصف , لا بد أنه دارت عائد من منزل تينانت , أبتسمت حالمة , هو أذا من كانت تنتظر !
بحثت عن الرداء الذي تضعه عادة فوق ثياب النوم , فوجدته ملقى على مقعد قريب , تأملته طويلا , كم هو جميل هذا الرداء!
أبتاعه لها والدها من الشرق الأقصى ,حريره الأخضر يضفي تألقا مميزا على عينيها , أما الفراشات المتناثرة عليه بألوان صارخة , فتزيدها رقة وأنوثة , رداء تستطيع وضعه أينما كانت.
وأرتدت كولبي الثوب , وضمته جيدا عند الخصر , ثم وقفت أمام المرآة تسرح شعرها بأهتمام , ولم ترضها صورتها المنعكسة في الزجاج المصقول فأضافت لمسة من أحمر الشفاه الوردي على شفتيها
لتمسحها بعد ثوان , وأخيرا جلست تنتظر مجيء دارت , وهي تحاول جاهدة السيطرة على توترها وترقبها.
دارت! أتراه تغير ؟ هل أضفت عليه أحلام طفولتها تلك الصفات الرائعة التي تجمع بين القوة , والمرح أو الجدية وأطلت عليها أبتسامته المشرقة من وراء شريط الذكريات
فأحست للمرة الأولى في تلك الأمسية المتعبة , براحة عميقة غسلت تشنج أعصابها , وأسترخت بهدوء على المقعد الوثير.
وبعد دقائق , سمعت كولبي صوت سيارة توقف في الممر المؤدي الى المنزل , تلاها صمت قصير , ثم وقع قدمين على الحصى
وترددت كولبي لدقائق معدودة , قبل أن تفتح باب غرفتها لتنزل الى الطابق الأسفل , خفاها الرقيقان لم يكن لهما أي صدى على الأرض الخشبية.
في الرواق كان الضوء خافتا , وكذلك في غرفة الجلوس , أما المطبخ فكان يشتعل نورا , تسللت اليه كولبي على أطراف أصابعها , ووقفت ساكنة على العتبة , كان دارت منحنيا على مائدة الطعام , يتناول عشاء سريعا ومؤلفا من بيض , وحبتي طماطم ,وقطعة جبن , ورغيف خبز , ورغم أنه كان يدير ظهره لها
ألا أنه قال فجأة:
" لا تقفي هناك يا كولبي , تعالي لأراك".
منتديات ليلاس
وغصت كولبي أنفعالا , لكنها حاولت أن تخفي توترها بتعليق ساخر:
" هل لك عينان في مؤخرة رأسك يا سيد دارتلاند كينغ؟".
" فقط عندما يكون الأمر متعلقا بك يا عزيزتي , ألا تذكرين كم مرة أنتشلتك من النهر عندما كنت طفلة صغيرة؟".
وببطء أستدار دارت ليتفحصها بحنان , لم يتغير وجهه كما عهدته ما زال قويا , معبرا فيه شيء من القسوة ينساها المرء حين يغرق في عينيه الدافئتين , تنبع منه ثقة واضحة بالنفس ,وأنطباع بالسيطرة يصل الى حد التعالي , لكنه الرجل الذي أستطاع أن يحقق شيئا مهما في حياته , دارت لم يتغير , أما كولبي فلم تعد طفلة.