وأخذ ستيفن يحدق في أسراب النعام وهي تهرول بعيدا عن المدرج , قبل أن يتفوه بأول شيء يرد على ذهنه.
" أعتقد أنك أفتقدت والدة دارت , يقال أنها كانت سيدة عظيمة".
بدا صادقا في قوله
لذا أجابته كولبي بعفوية:
" نعم , ولا زلت أفتقدها يا ستيفن , كانت أمرأة رائعة , طيبة , نشيطة ونقية , تحيط بها هالة من الأشراق".
" الرجال يتزوجون أمهاتهم أحيانا!
وبسرعة تدارك خطأه , فأردف موضحا:
"تعرفين ما أعني , أقصد أن الرجال يبحثون عادة عن الفتاة التي تشبه والدتهم ".
دهشت كولبي لما قال , وبلعت ريقها بصعوبة قبل أن تعلق قائلة:
" حسنا , أفهم فكرتك يا ستيفن , قل لي هل تتحدث بصورة عامة أم أنك تقصد شخصا معينا؟".
منتديات ليلاس
تفحصها ستيفن بلمحة خاطفة:
" الزمن وحده كفيل بالأجابة , آنسة كينغ ,من يعرف ماذا تخبىء له الأقدار".
" وماذا عنك؟".
أجابت كولبي حالمة , وفجأة تحول صوتها من الجدية الى المرح:
" أنظر ستيفن , ما أروع التلال أمامنا , الأعشاب الخضراء تتأرجح عليه وكأنها تتمايل فرحا بالضوء المنسكب شلالات من الفضة تتلألأ بينها الحصى كأحجار كريمة , كنغارا , ها أنا آتية اليك , أفتحي أبوابك لأسقبالي".
وكأن السيارة فهمت شوق الفتاة الى أرض أحلامها , فأسرعت تشق طريقها وسط النباتات الكثيفة التي أحتجت على الأستخفاف بها بأن أستجمعت عطرها ترسله موجات من الطيب تسلقت الأشجار الباسقة , التي تحول ظلالها الوافرة أكثر الأيام حرا الى نسمات.
وفكت السيارة الحصار الأخضر عنها لتركض غير مبالية برائحة المسك التي تداعب الهواء وكأنها تريد ملاعبته
وعندما يئست الأشجار من أستبقاء كولبي , أرخت أغصانها عن المنازل الصغيرة المحيطة بالمزرعة وبالبيت الكبير.
وتجولت عينا كولبي في الطريق المعبد بحصى بيضاء , لتستقر أخيرا على بيت طفولتها المنتصب بأعتداد , متوجا بالرداء القرمزي الذي خلفته عليه شمس المغيب ,كنغارا الرائعة!
لم تنسها أبدا , هذه الواحة الصغيرة المستلقية بكسل في أحضان الزهور البرية , مستكينة الى الأيدي المحبة التي تعتني بكل حبة من ترابها.
حتى وهي طفلة , كانت تقف طويلا أمام أنعكاسات الشمس على السور الحديدي الذي يحيط بالشرفات كتخريج رقيق سهرت على نسجه أيدي النساء , فأستبقى نور الشمس ليعكسها مزيدا من الأضواء على عالم كنغارا السحري.
البيت الكبير رفض منذ تأسيسه كل مظاهر الحضارة الزائفة , وأستبدلها بجمال الأرض المتوحشة العذراء , فكانت كل حجارته جزءا من صلابة الصخر ونعومة الرمال.
منتديات ليلاس
كم هو جميل هذا البيت العريق , ربما أجمل أيضا من الأيام الخالية عندما كانت طفلة تسري الحرية اليوم لم تعد طفلة, والسنوات الطويلة الموحشة التي أرهقت كاهلها في أيام الغربة , أصبحت مجرد ذكرى.
وتوقفت السيارة أمام الشرفة الأمامية , حيث وقفت بيللا وسوزان تنتظران الضيفة الشابة , ونزلت بيللا الدرجات القليلة , وثوبها البنفسجي يتأرجح بأناقة حول جسمها الطويل الرقيق
مظهرها ومشيتها كانا كما يتوقع المرء من سيدة كنغارا أن تبدو وتمشي , حتى العم سيروس لم يكن ليستطيع وحده تدبير شؤون المزرعة الكبيرة بدون مساعدة سيدة قديرة تقف الى جانبه
لكنها لم تستطع أن تقنع والدها بذلك , فهذه المرأة ليست بالعمة راشيل , برغم شخصيتها المميزة وأناقتها الواضحتين حتى عن بعد.