" لكنك لست بحاجة الي , لو فرضت عليك الظروف أن تختار أحدنا , سأكون أنا من يرحل , أليس كذلك؟".
" بل أتمنى أن أحتفظ بكما معا".
" لم أكن أعلم أنك تربط صداقاتك بمصالحك الشخصية".
" يكفي كولبي , تعرفين جيدا ما الذي أتوقعه منك , فلننسى الأمر الآن كان النهار متعبا".
" طبعا , أنت تأمر ونحن ننفذ ... لا أتصور كيف أحببتك في يوم من الأيام".
" وما زلت تحبينني يا أبنة عمي الصغيرة".
" الدم لا يمكن أن يتحول الى ماء يا أبن العم الكبير".
" هل هذا هو السبب الوحيد؟".
رفضت الأجابة ,وأشاحت عنه بوجهها .
" أذهبي الى خيمتك الآن , حان وقت النوم ".
ولم يكن المخيم يستكين حتى أفاق الجميع على هدير صاخب يقترب منهم تدريجيا , وضجت الأرض بأيقاع بدائي , بري ,وريع , أصغوا جيدا وما لبثوا أن شاهدوا قطيعا من الخيول البرية يسابق الريح بأعتداد وعنفوان ومن لم يعرف القيود في حياته , وتوقف القطيع قرب الينبوع يروي عطشه.
منتديات ليلاس
وخرج القمر من وراء سحابة عابرة , ليغرق قائد القطيع بضوئه الدافىء , فشهقت كولبي وهي ترى الحصان الأبيض يتألق كتمثال فضي نحتته يد فنان , رمزا للأصالة والقوة ,والجمال.
" آه يا دارت كم يبدو هذا الحصان خياليا في ضوء القمر , وكأنه جزء من حلم بعيد لا يتحقق فعلا ألا في الأساطير".
" أخفضي صوتك كولبي ,لحظة واحدة وسيشعر بوجودنا ".
ولم يكد دارت يكمل عبارته حتى رفع الحصان رأسه يصهل عاليا لتحذير أتباعه من خطر قريب , رائحة الأنسان والنار يعرفهما جيدا, وحاسة الشم لديه لا تخطىء , وبجرأة وكبرياء أنطلق عائدا الى التلال ووراءه القطيع يضرب الأرض بقوائمه ,حتى أرتعدت خوفا من غضبه.
أنتهى الحلم وعادوا الى فراشهم.
أستيقظت كولبي مع بزوغ الفجر , تثاءبت براحة وألتفتت الى خيمة دارت , كانت فارغة , لا بد أنه ذهب للبحث عن الحصان الأبيض , تعرفه جيدا , لن يترك جوادا بهذا العنفوان يفلت من قبضته.
تسللت من مكانها بهدوء حتى لا ينتبه الآخرون , أمتطت فرسها سورشا وأنطلقت با الى التلال بحثا عن دارت ,لن تجد صعوبة في العثور عليه , بن العجوز علمها كيف تقتفي الأثر جيدا في الأرض الندية الحمراء.
وأضطرت كولبي الى لجم فرسها عندما وصلت الى ممر ضيق يتعرج بين صفين من النباتات الكثيفة , وأحست فجأة بشخص ما يرفعها بقوة عن صهوة جوادها ليضعها أرضا.
" يا ألهي يا كولبي , ألا تستطيعين أبدا مقاومة رغبة تعريض نفسك للخطر؟".
" تعمدت ذلك , المرأة قد تفعل الكثير للرجل الذي تحب , لكنها تفعل أكثر للرجل تخاف".
" آسفة لم أكن أقصد أزعاجك".
وعند رفعت عينيها معتذرة الى وجهه الأسمر الجذاب , صرخ صوت ما في داخلها , أنت تحبين دارت , أنت تحبين دارت.
" لا , لم تزعجيني يا كولبي , أنا خائف على سلامتك ,ما زلت طفلة صغيرة".
" وأنت رجل متعجرف , أنا لم أطلب المجيء الى كنغارا ,أنت من أصر على ذلك , لكنني أستطيع مغادرتها في أي لحظة".
" وهل تريدين ذلك؟".
لم تجبه , فضغط على كتفها بعنف.
" ستبقين هنا الى الأبد , أنت جزء من كتغارا ,وهي جزء منك , لن تستطيعي مغادرتها أبدا".
" قد لا توافق روشيل على بقائي".
قالتها بعفوية , وندمت فورا على الملاحظة التي أفلتت منها , لكن دارت كان قد أنشغل عنها فور سماعه الأيقاع البري الذي أخذ يتردد صداه في الهواء.
"كولبي لدي فكرة جيدة قد تنجح , سأستخدم فرسك كطعم , أنها حيوان جميل ولا بد أن تلفت أهتمام الحصان الأبيض".
وأبتسم لها مداعبا:
" برغم كل شيء , أثمر حضورك عن فائدة ما".
" أتمنى ذلك يا دارت".
" أبقي هنا وأبتعدي عن المشاكل , هل فهمت؟".
" نعم , أرجوك دارت كن حذرا".
أمتطى دارت صهوة جواده الأسود وأنتظر بدون حراك أقتراب القطيع , وكما توقع الرجل لفتت سورشا الجميلة أنتباه الحصان الأبيض فحول مساره بأتجاهها , وقبل أن يصبح قريبا بما فيه الكفاية ليشم رائحة الأنسان
خرج دارت من مخبأه كالسهم وهو يلوح بالحبل الذي لا يخلو منه سرج أي راعي بقر , ودخل حصان دارت المعركة الى جانب سيده , فأنطلق يسابق الريح وهو يصهل متحديا منافسه.
وتمكن الفارس من تطويق عنق الجواد البري برمي الحبل مرة واحدة ,وما أن شعر الحصان بالقيد حتى تفجرت كل وحشيته البدائية ,وقف على قائمتيه الخلفيتين يضرب الهواء بقائمتيه الأماميتين محاولا أسترداد حريته
وتساقط الزبد من فمه وهو يصهل , فكان في صوته صرخة ألم رددتها التلال الرملية.
منتديات ليلاس
وأقترب منه دارت تدريجيا وهو يشد على الحبل بقوة حتى سقط القائد الأبيض على جانبه مبللا بالعرق , ومشلولا بالخوف , وبعد ثوان أنتفض الحيوان الأسير رافضا الأستسلام بسهولة
وظل دارت ممسكا بالحبل وهو يقترب أكثر فأكثر من الجواد الثائر , أنها معركة خطرة , ضربة واحدة من حوافر الحصان قد تقتله أو تشله مدى الحياة.
وأنطلق الحيوان الأبيض في سباق مجنون والشرر يتطاير من عينيه , وطار دارت في أثره ممسكا بالحبل ,وهو يشجع جواده على قبول التحدي الذي أختاره منافسه , السباق هذا سيحدد نتيجة المعركة , والخاسر سيكون من يتعب أولا , فأنتصرت أرادة الرجل.
نهاية الفصل السادس