كاتب الموضوع :
سفيرة الاحزان
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
وبدأت دابون تتراجع ببطء بعيدا عن الحيوان ، وهي تحرص تماما على ألا تصدر عنها أية حركة غير منضبطة قد تثير الحيوان فيندفع في هجوم عليها ، وكان الحيوان بدوره يرقبها بعينيه اللتين تشبهان حبات الخرز وهو يصدر صوتا يشبه الشخير ويضرب بذيله ليطرد الحشرات التي كانت تستثيره ، وخطا بضع خطوات في المستنقع وهو يهز رأسه من جانب الى آخر ، وبدات دابون تفقد أعصابها .
وسمعت أصوات الطرطشة المزعجة خلفها ، وأدركت أن الثور كان يخوض في الماء عبر المستنقع وراءها ، ولم تكن تجرؤ على أن تنظر الى الوراء ورأت مانويل يسرع اليها من الحافلة الصغيرة وبيده عصا ثقيلة ، وصار يخوض مياه المستنقع دون أن يكترث بحذائه الجلدي الرقيق ، واجتاز دابون وهو يصيح :
" اصعدي الى مؤخرة السيارة "
وأذعنت دابون فتسلقت من خلال الباب الخلفي للسيارة الى سطح خشبي خشن تنتثر عليه كمية من الحبال والبكرات تنبعث منها رائحة الأحصنة بطريقة نفاذة .
وتنحى الثور جانبا عندما ظهر مانويل ، وتوقف على مسافة من الحافلة الصغيرة يواصل الشخير ويضرب الأرض بحوافره تعبيرا عن الغضب ، وادركت دابون أنه كان يستعد للهجوم ، ولم يكن مع مانويل ما يدفع به عن نفسه سوى يلك العصا التي بيده ، وصارت دابون ترقب المشهد بيأس وهي تتمنى أن يستدير مانويل وأن يجري مهرولا الى السيارة .
وأخيرا بدأ مانويل يتراجع عن الثور ، وعندما بلغ مؤخرة الحافلة الصغيرة دفعت دابون الباب لينفتح وليسمح له بأن يتسلق الى داخل العربة ، كانت الآن ترتعش بعنف ، ونظر الى وجهها المرتعد قبل أن يمسك بكتفيها ويسحبها بقوة . وتراجع مانويل الى الوراء ، وجاس في وضع محدودب ، رجلاه مضمومتان ، ومرفقاه يستندان على ركبتيه ، ورأسه محنية الى أسفل ، ويداه تحيطان بمؤخرة رقبته ، وأخذ يقول في نبرة معذبة :
" يا الهي ، يا الهي ، أنني أريدك يا دابون "منتديات ليلاس
كانت دابون تضطجع على أرض العربة حيث تركها ، وشفتاها ملتهبتان ، وشعرها يتدلى كأنه غمامة قاتمة تلفها ، وتمتمت بصوت فيه ألم :
" مانويل "
استدار مانويل فجأة الى باب الحافلة الصغيرة ودفعه فانفتح ، وقفز الى الخارج ، وهويلعن بعنف ، وصار يأخذ شهقات طويلة من الهواء الدافئ الحلو وأجبرت دابون نفسها أخيرا على التحرك ، وبدأت تحس بالحبال أسفل جسدها ، وكانت بشرة ظهرها قد أصبحت مشدودة ملتهبة ، وأخذت تجفف نفسها بالمنشفة ، وخلعت رداء البحر ولبست بنطلونها وقميصها، وشعرت بأنها قد أصبحت في حالة أفضل ، وخرجت من المركبة ، وأخذت تعصر المياه الزائدة من الرداء القطني الليموني .
وعندما أحس بها مانويل وهي عند الباب الخلفي للسيارة التفت ورجع اليها متباطئا بعد أن ألقى بعقب السيجارة الى الأرض وضغط عليه بكعب حذائه ، وومضت عيناه عليها عن عمد ، ثم أخذ يسير بخطى مسرعة الى مقعد القيادة ،وجلس خلف العجلة ، وضمت دابون شفتيها سويا وهزت كتفيها وفعلت بالمثل فتسلقت الى السيارة وجلست الى جواره بشيء من عدم الاستقرار
|