كاتب الموضوع :
سفيرة الاحزان
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
ا
اللقاء المفاجئ
على السهول المنخفضة من وادي الرون بجنوب فرنسا، وفي أوائل شهر ابريل / نيسان من كل عام تقريبا ، تهب رياح المسترال ، وقد استجمعت لفحاتها الباردة من منحدرات البروفنس العليا التى يكسوها الجليد عادة في ذلك لوقت من السنة. لتملأ طريقها العاصف عبر مستنقعات الكامارغ بعواء ، كأنه صراخ يطالب بالثأر . عند ئذ لا يحاول انسان أو حيوان أن يعترض سطوة المسترال ولكن أزهار النرجس والسوسن البرية الشجاعة التي تنمو بين أدغال القصب أو الغاب وحدها تجرؤ على أن تعلو برؤوسها لتعلن مجيء الربيع الى مصب النهر . وتتوقف الرياح الهائجة بطريقة مفاجئة مثيرة .
ويعود دفء الشمس بدرجة تفوق التوقعات ، فيمحو ذكرى الأراضي اليباب التي كان الجليد يغطيها منذ أيام ، حين كانت الطيور البحرية تسعى يائسة في طلب الرزق ، وهي تتعقب اثار الخيول البرية البيضاء التي تجولت أحيانا في هذه المناطق ، فتفتت بحوافرها كتل الجليد المتراكم .
وتعود الحياة الى الدلتا بأكملها ، فتكتسي بالبهجة التي لا تعرف لها مثيلا ، حتى في ذرة الصيف عندما تجف المستنقعات بفعل حرارة الشمس ، وتتحول الى مساحات من الأراضي الموحلة المتشققة ويدب النشاط في كل مكان ، وتزخر البحيرات الساكنة والمستنقعات الزرقاء بالحياة البرية ويظهر العصفور الشادي الممتليء الوجنتين الذي يحاول أن يتشبث بالأعشاب الطويلة ، ويلمع ريش آكل النحل بألوانة الزاهية وهو يندفع الى اسفل ليصطاد بعض الحشرات التي تسبح فوق سطح الماء ويسير طائر الفلا برشاقتة الغريبة في المستنقعات بخطى تعبر عن الأبهة .منتديات ليلاس
كانت دابون تعرف هذا الوقت من السنة معرفة جيدة . ففي مثل هذا الوقت جاءت الى البروفنس، هذه البقعة المميزة من فرنسا . والتي أصبح لها مغزى كبير في حياتها الشابة فيما بعد ، والآن تجد نفسها في طريق العودة من جديد ، تعاني من المشاعر نفسها المصطرعة مرة أخرى . أنه الشعور الذي أصابها عندما غادرت المكان نفسه في نوبة مندفعة منذ ثلاث سنوات .
ولكن كيف كان يمكن لها أن تتفادى ذلك ؟ وفي مثل تلك الظروف؟
وبدات الطائرة تهبط فجاة ، ومالت دابون في مقعدها الى الخلف ، تضم ذراعيها باحكام وتحس بالدوار الناشيء عن هبوط الطائرة . كان عليها ان تتذكر أنها مازالت في الطائرة وانها على وشك الهبوط في مارينيان . ورغم أن دابون كانت تتذكر جيدا مستنقعات كامارغ الجميلة ، فأنها كانت تعلم أن لا أحد سيرحب بمقدمها .
وكان هناك شاب يجلس على الجانب الآخر المقابل لمقعدها من ممشى الطائرة ، بدا أنه لاحظ حيرتها ، فأنثنى نحوها ، وهو يستند الى مقعده . كانت دابون قد احست بنظراته . يختلسها اليها من وقت لآخر أثناء الرحلة ، ولكنها لم تشجعه في التعارف بها ، لأنها كانت حريصة على ألا تتورط مع أي رجل .
وبد أن الشاب لاحظ القلق الذي ينتابها في شكل هستيرى شامل كلما راودها التفكير فيما كانت مقدمة عليه .
وتشجع الشاب ، فلمس ذراعها برفق ن وبدأ حديثه بالفرنسية قائلا :
"عفوا يا آنسة "
وأكمل بالانكليزية "هل بك سوء"؟
[/SIZE]
|