كاتب الموضوع :
سفيرة الاحزان
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
لقد أكتشفت ذلك سريعا ، فعندما بدأت ألسنة النار في المخيم تلقي بعض الظلال على التراب الأسمر ظهرت جيما في ثوب القيادة النسائية أي الأم القائدة لقبيلة ، وكان يطلق على ذلك الرداء اسم فيوري داي في لغة الغجر ، وأطبق على المجتمعين في المخيم سكون أدركت معه دابون بشيء من التوتر فنظرت الى مانويل الذي كان يقف الى جوارها لعله يفسر لها ما يحدث .
وبدت عينا مانويل ناعمتين تشع منهما الرقة والملاطفة ، رغم أن مهج العاطفة كان يتأجج في أعماقهما .
لم يكن بوسع دابون أن تتذكر بالتفصيل ما وقع بعد ذلك ، فقد كان مشوشا في ذهنها ، وبدأت الأحداث تتابع في سرعة ، ولم تستطع أن تتبين أن ماكان يجرى في تلك اللحظات كأن طقوسا للزواج تربطها هي ومانويل الا عندما تقاسما كسرة من الخبز المملح ، كانت خائفة في أول الأمر وقد تشوش ذهنها بسبب الصياح وبسبب الموسيقى التي بدأت من جديد بطريقة أكثر حدة وأكثر اثارة للحواس فضلا عن الحشد الكبير من الغجر الذين كانوا جميعا متحمسين ليروا ما يجري من طقوس .
واستمر الأحتفال والرقص الى ساعة متأخرة من الليل ، ولكن دابون ومانويل انصرفا قبل ذلك بكثير ، وكانت جيما قد أعدت لهما العربة الخاصة بها .منتديات ليلاس
وعندما بدأت دابون الآن تستعرض الأحداث ، أدركت أنها هي ومانويل كانا قد سايرا مد الحماس والبهجة التي صنعها الغجر ، ولكن ذلك كان تطورا طبيعيا لما كان بينهما من علاقة . وكانت مجرد ذكراها لتلك الليلة التي أمضياها سويا تجعل الدماء تندفع الى وجنتيها .
ودفنت وجهها في كفيها ، وبدأت تشعر بنوع من تأنيب الذات ، لو أنها كانت قد فكرت فقط في عاقبة ما حدث ، لو أنها تبينت أن كل ما حدث لم يكن الا مشهدا تمثيليا أريد به أن تتاح لمانويل الفرصة لاشباع رغباته بطريقة تبدو شريفة وجميلة . وعندما تركها مانويل في الصباح التالي قبل أن تستيقظ ليعود الى منزل أسرته كان ذلك آخر عهدها به ، كانت تتوقع أن يعود اليها خلال اليوم الطويل ، ربما ليأخذها معه ، وليقدمها الى أبويه مع توضيح لما حدث ، ولكن مانويل لم يعد ثانية ، وعندما حل المساء كانت دابون في حالة من الهياج ولم يكن معها من تبثه شكواها . كانت جيما الحليف الوحيد الذي ربما يقدم لها المساعدة قد رحلت مع باقي أفراد القبيلة في الصباح الباكر ، لتترك لهما العربة .
وبدات الشكوك الآن تساور دابون .. ماذا يكون الحال لو اتضح أن جيما كانت تعلم منذ البداية أن كل الذي حدث كان خدعة ؟ ماذا لو اكتشفت أن اختفاء جيما في ذلك الصباح الباكر كان بقصد أن تتجنب عواقب ما حدث؟
وسمعت صوت حوافر الحصان جعلتها تسرع الى النافذة وتحدق في الظلام الذي تخترقه أشعة القمر ، ولكن الراكب لم يكن رجلا ، بل كان مدام سان سلفادور وطلبت أن يسمح لها بالدخول .
ولم تكن دابون تملك الا أن تقف الى جوار الباب وتسمح بدخولها ، رغم أن مظهرها لم يكن يحمل معه سوى الخراب ، ونظرت باحتقار الى وجنتي دابون المبللتين بالدموع ثم أعلنت أنها قد حضرت بالنيابة عن مانويل ، وأوضحت أن أبنها يشعر بالخجل من فعلته ، وأنه لا يستطيع أن يجد الكلمات التي يعبر بها عن الأسف الذي يشعر به ، وكان من الواضح أنه أخبر أبويه بكل شيء ، وبالرغم من أنهما لم يستطيعا أن يغفرا له ما وقع منه ، فقد كانا يشعران بأنه مادام قد رجع اليها يطلب الصفح ، فأن ذلك يكفي في نظرهما للدلالة على أنه قد عرف واجبه طفولتهما ، وأما تورطه مع دابون فأن ذلك كان أمرا يمكن أن ينسى ويغتفر ، ولابد أن دابون قد أدركت أن طقوس الزواج تلك كانت مجرد استعراضات للترفية والمرح ، وأن المشاركين فيها لا ينبغي أن يأخذها بجدية .
|