كاتب الموضوع :
سفيرة الاحزان
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
كان الجو مطيرا عندما هبطت الطائرة في مطار لندن ، وكانت دابون ترتعش وهي تجتاز الأسفلت الى مباني المطار ، واستقلت الحافلة العامة الى المحطة النهائية ثم استقلت حافلة أخرى . وكان بيت العمة كلارى في صف صاعد من البيوت المتدرجة ، ورغم أن واجهة المنزل كانت عادية الا أنه كان يطل من الخلف على ملعب المدرسة وكانت هذه ميزة خاصة .
ونزلت دابون من الحافلة عند نهاية الطريق ، واتجهت مصعدة الى المنزل رقم 53 وكانت ترقب الستائر المزركشة على النوافذ تهتز بخفة، وخطر لها أنه من الأفضل ألا يعرف أحد بعودتها حتى لا تدع فرصة للتساؤل حول أين كانت ، ولماذا ذهبت ؟
وأخرجت المفتاح ، وفتحت باب منزل العمة كلارى وتبع ذلك وقع صوت خطواتها ، وفتح باب في نهاية الدهليز وبدا طفل صغير جميل يلبس بنطلونا أزرق وصديريا أبيض مشوبا بزرقة , كان شديد الشبه بمانويل ، الأعين الرمادية ، الأنف ، الفم وشعر مانويل الأسود بفارق بسيط أن شعر جوناثان كان يميل الى التجعد . وكان ذلك الشبه الوثيق مما جعل قلبها يتفطر . وصاح جوناثان :
" ماما"
قالها بصوت مضطرب يشبه صرير الباب ، وكاد يرقص وهو يحاول أن يجتاز الردهة ليصل اليها.
وانفرج فمها الجميل عن ابتسامة ، واحدودب جسمها وهي تنحني عليه لترفعه بين ذراعيها ، وهي تقول :
" أهلا ، حبيبي "
وظلت تعانقه ، وهي سعيدة بيديه الصغيرتين تمسان شعرها وتحيطان برقبتها ، وهو يلتصق بها بحب وثقة . وداعبته بقولها :
" هل كنت طفلا مطيعا للعمة كلارى؟ "
واتسعت حدقتا عينيه بشيء من الجدية، وهويقول :
" العمة كلارى لها رجل .... مسكينة . تعالي لتري "
وأمسك جوناثان بأمه ، وصار يجذبها تجاه الصالون حيث كانت كلارى ميدوز تجلس على أريكة ورجلها المربوطة بأحكام بشريط لاصق تستقر على كرسي صغير أمامها . ونظرت اليها دابون تحاول أن تخفف من الموقف ، وقالت وهي تقبل وجنتيها بحرارة :
" كيف حدث ذلك ؟ أشعر بأمانه أنني لا أستطيع أن أتركك وحدك ولو لخمس دقائق "منتديات ليلاس
وبدت على وجه كلارى ابتسامة تدل على الخجل ، وهي تقول :
" أنني أعرف . أنني امرأة عجوز حمقاء ، اليس كذلك يا جوناثان "
وتسلق جوناثان الأريكة ليجلس الى جوارها ، وواصلت الحديث :
" كيف حالك يا دابون ؟ هذا هو المهم . أنني أسفة اذا كنت اضطررتك للتعجيل بالرحيل "
وحاولت دابون أن تزيل شعورا باليأس كان قد بدأ يعتلج في نفسها بعد أن بدأ أحساسها بسلامة الوصول يخمد تدريجيا وأجابت :
" لا أنك لم تفعلي ذلك . لقد كنت عازمة على الرحيل "
واقتم وجه كلارى ، وأخذت تقول :
" لا يبدو أنك في حالة طيبة . أنا ألا حظ ذلك الآن . هل قابلت مانويل ؟
" نعم ، نعم، قابلت مانويل ،وحصلت على النقود "
وضمت كلارى شفتيها ، وهي تعلق :
" ولكن يبدو انك عانيت كثيرا "
وأومات دابون ثم قالت وشفتاها لا تكادان تنفرجان :
" نعم ، لقد عانيت الكثير "
وتنهدت كلارى ، وقالت :
" حسنا ، لا تكترثي الآن . لقد عدت الى بيتك ، وسوف تقصين ما حدث عندما تودين ذلك ، أذهبي وضعي الغلاية على النار . لقد كانت السيدة رينولدز هنا منذ لحظات وعندما لمحتك قادمة على الطريق تسللت من الممر الخلفي ، وربما ظنت أننا نفضل أن نكون وحيدين بعض الوقت . كانت قد أعدت كل شيء لعمل الشاي "
وأومأت دابون بالموافقة ، واستطاعت أن تنتزع نفسها من الكرسي بمشقة . كانت كلارى على صواب ، لقد عادت الى بيتها الآن ، ولم يكن هناك داع من أن تشغل فكرها الى حد اليأس ، ووجدت أن من الأفضل أن تشغل نفسها بقضاء أعمالها اليومية وتترك للزمن أن يدمل الجراح التي كانت لا تطاق في تلك اللحظة .
وكان يكفي في هذه الفترة أن تدبر حياتها يوما بيوم وهي تأمل أنها أن عاجلا أو آجلا سوف تنسى تلك الأيام المؤلمة التي أمضتها في البروفنس.
وتحسنت حال جوناثان بعض الشيء ، وكان لايزال بعاني من السعال الحاد ولكنه أخذ يتحسن مع مجيء الأيام الدافئة ، أنه يكبر سريعا وأحست دابون أنها سوف تفتقد فيه الطفل الذي عرفته . سوف يكون قادرا على أن يمشي معتمدا على نفسه الى أي مكان يذهبان اليه بدلا من استخدام عربة الطفل ، وانه بالضرورة سوف يسأل لماذا يسعد الأطفال الآخرين بأن لهم أبا في حين لا أب له .
كانت ساق كلارى تتماثل للشفاء ببطء ، وكان بمكانها أن تتحرك مستندة على عكازين بعد أن مضى بعض الوقت ، وعلى الرغم من أنها لم تكن قادرة على الاسهام في رعاية جوناثان ، فقد كانت تصمم على أن تجلس على الكرسي في المطبخ لتعاون في تقشير الخضر أو غسل الصحون .
وذات عشية خرجا الى أحد المنتزهات التي تقع على مسافة بعيدة نوعا، وفي طريق العودة الى المنزل كان جوناثان يرقد في عربة الطفل التي كانت دابون تدفعها أمامها ، عندما أحست بمقدمة أحدى السيارات تهدئ من السرعة وتسير محاذية لها بعض الوقت ، كانت سيارة من نوع المرسيدس الليموزين وكانت أجزاؤها المعدنية المصنوعة من الكروم المطلي تومض بطريقة تضفي على السيارة رونقا وفخامة .
|