1- الأيام الأولى
أستسلمت زوي ألى حلم جميل و رأت فيه نفسها في زورق تحت سماء زرقاء صافية , وفوق بحر رائق هادىء , وكان مكادم ألى جانبها يطوقها بذراعه وهو يبتسم , ولمحت زوي أن في عينيه شيئا ما , فبذلت جهدها لمعرفته , ولذلك مالت عنه بعيدا ألى حافة الزورق , بحيث بدأ يعلو ويهبط ويشرف على الغرق , فأخذت تصرخ من الخوف , وهنا شدها مكادم أليه بفارغ صبر وصاح بها :
" هيا يا زوي أستفيقي !".
فأنتفضت زوي من حلمها ولم تستطع أن تدرك , لأول وهلة , أين هي , ولكن مكادم كان معها , يحدق أليها دون أن يبتسم , بل كان متجهم الوجه من الغضب لا من الهناء , وأدركت أنهما في مكتبه لا في الزورق , وأنه يهزها هزا عنيفا , فتمتمت , وهي تنظر أليه بعينيها الخضراوين , قائلة :
" مكادم ".
فأبدى مكادم أمتعاضه وأنتهرها قائلا :
" ماذا تفعلين هنا في هذه الساعة المتأخرة من الليل . أما قلت لك مرارا ألا تعودي ألى مكتبي بعد الأنتهاء من عملك ؟".
فعاد ألى زوي وعيها كاملا , فنهضت واقفة على قدميها والأحمرار يعلو وجنتيها , فهي , على ما يبدو , وقعت في نوم عميق , بعد أن أنهت عملها في مراجعة دفاتر الحسابات , وحلمت ذلك الحلم .
فقالت له متمتمة :
" ساعدت دونالد بعد ظهر اليوم , وأنت غائب , أما قلت أنه يجب الأنتهاء من مراجعة حسابات رينفرو في أسرع ما يمكن ؟".
منتدى ليلاس
فأجابها وهو يمد يده ليساندها حتى لا تتعثر :
" لم يكن من واجبك أن تساعدي دونالد... فأنت تستجيبين لكل ما يطلبه منك !".
قال ذلك وجذبها أليه واضعا أحدى يديه على رأسها الملقى على كتفه .
ولم تكن هذه المرة الأولى التي كانت زوي بين ذراعي مكادم , فمنذ صغرهما وهو ينقذها من المآزق التي تقع فيها , فتجد الراحة والعزاء في قربها الحميم أليه , وحين أخذت أصابعه تداعب صفحة عنقها , شعرت برغبة في العودة ثانية ألى النوم , كيف لا , فهو طويل القامة , عريض الكتفين , يمنحها شعورا عميقا بالأمان والأطمئنان , على الرغم من أنها لم تكن مغرمة به .ولكن ما كادت تنعم بهذا الشعور حتى سمعت سعالا خفيفا خلفهما , فتلفتت دون أن تعلم أن مكادم كان يصطحب حبيبته معه , فرمقته هذه , وتدعى أورسولا فندلي , بنظرة جافة بادلتها بنظرة أجف , فهي لم تكن تطيقها على الأطلاق .
وهنا أفلتت من ذراع مكادم وهي تقول له :
" يمكنك أن تتركني , لست بحاجة ألى معونتك , فأنا تعبة , لا بل دائخة!".
زم مكادم شفتيه , فيما قالت أورسولا :
" كيف تسمح لموظفيك أن يخاطبوك هكذا , يا حبيبي؟".
ولكن مكادم أجابها بما طربت له زوي , أذ قال :
" زوي تعبة.. وتشكو من العياء !".
فتجهم وجه أورسولا وقالت :
" ليتك تتوق ألى أيجاد سكرتيرة ماهرة يا حبيبي ريس , أعرف واحدة تلبي حاجتك تماما , فعملك في صناعة السفن لم يعد صناعة على نطاق ضيق كما كان من قبل ".
غضبت زوي لهذا الكلام , وحارت كيف تنتقم منها على أتهامها بأنها لم تكن السكرتيرة المؤهلة للعمل الذي يقوم به مكادم , وأخيرا قالت لمكادم بغنج ودلال لتسمع أورسولا وتثير غيرتها :
" تلفنت لك الآنسة فينتس اليوم , بعدما غادرت المكتب , لتعتذر لك عن أضطرارها ألى ألغاء موعدها معك الليلة , وقالت أنها تكون سعيدة أذا تناولت معها طعام الغداء غدا؟".
وعبثا حاول مكادم تحذيرها بعينيه من الأسترسال في مثل هذا الكلام , فأضافت قائلة :
" وهي تأمل أن تكون قد تمكنت من أيجاد فتاة أخرى لمرافقتك الليلة!".
وصح ما توقعته زوي, أذ أستولى الغضب على أورسولا , أيكون أن مكادم أنما دعاها لمرافقته تلك الليلة كبديل عن الآنسة فيتنس ؟ وقبل أن تتيح لمكادم أن يشرح لها الموقف , فقدت السيطرة على أعصابها تماما وأخذت تخاطب مكادم بكلام لا يليق بفتاة مهذبة أن تخاطب به الرجل , خصوصا أذا كانت تطمح ألى الزواج به , وهي لو أتاحت له الفرصة لأخبرها بأن لقاءاته مع الآنسة فيتنس لم تكن ألا بقصد العمل التجاري , أما الآن فلم يسمح له كبرياؤه أن يخبرها بشيء من هذا , وهكذا بدا لزوي أن أيام علاقة مكادم بأورسولا أصبحت معدودة .
ولم تندم زوي على فعلتها هذه , فأذا كان مكادم لا يستطيع أن يرى بأن معظم صديقاته لم يكنّ صالحات له , فيجب أن يساعده أحد على ذلك وأن لم يكن الأمر سهلا , فتفضيله الواضح للنساء الجميلات , لكن الغبيات منهن , كان من اليسير فهمه لو لم يكن رصينا متعقلا في الأمور الأخرى , وأستغربت زوي أن يكون مكادم , وهو الرجل الوسيم البالغ من العمر ست وثلاثين سنة فقط , مصابا بعمى القلب فيما يتعلق بالمرأة , لا شك في أنه كان يتمتع بحاسة كامنة في طبيعته تمكنه من الأفلات من شراكهن في آخر لحظة , ولكن ذلك لم يكن يبعث في زوي العزاء والأطمئنان .
ففي أحدى المرات خشيت أن يخضع لأغراء فتاة سيئة الخلق لا يمكن لها أن تتحمل أبتعاده عنها ساعات طويلة في العمل في ميناء بناء السفن الذي يملكه , وهي لأجل هذا الميناء الذي يتوقف عليه مستقبل مكادم شعرت بضرورة أحاطته بالعناية ومراقبة تصرفاته .