8- ليلة عرس بيضاء
وافق ريس على الفستان الذي لبسته زوي للقاء والدته وتناول القهوة معها , فقال :
" تبدين رائعة الجمال يا زوي ".
وقبل أن تدرك ما يفعل , كانت يداه تفكان الزرين أو الثلاثة في أعلى صدر فستانها وهو يتأمل بأعجاب عنقها العاجي :
" هذا أجمل وأكثر متعة للنظر".
وأرتعشت زوي حين لامست أصابعه بشرتها ,وخصوصا حين لمحت في عينيه تلك الزرقة التي تصبح غامقة كلما ثارت عواطفه .
وقالت له بنبرة هادئة:
" أنا لا أظن أن أمك ستوافق ......".
فأبتسم قائلا:
" أبي سيقضي ساعات الصباح برفقتي , وهكذا تكونين وحدك تحت رحمتها ".
جرى هذا الحوار وهما في طريقهما ألى الفندق , وعندما وصلا نزلت زوي ودخلت ألى البهو حيث كانت السيدة مكادم في أنتظارها.
وفيما هما تتناولان القهوة , قالت لها السيدة مكادم بلطف :
" لا أنكر أنك تليقين بريس كما أن ريس يليق بك , ومنذ زمان بعيد كنت أحلم بعروس مثلك , ولكن مع ذلك أعترف لك أنني أشعر بخيبة أمل".
وسرت زوي وأعجبت بصراحتها وقالت لها:
"وعلى من عقدت الأمل ؟".
" على أورسولا فندلي , عرفت والديها طوال حياتي , وعاشرها ريس قبل أن ينزح ألى هنا , وكنت دائما أقول لها أذا كنت تريدين أصطياده , فعليك أن تضاعفي أهتمامك بالسفن وما ألى ذلك".
وما ألى ذلك؟ تساءلت زوي في نفسها وقالت :
" ألا تبالي الآنسة غندلي أذا تبللت وأتسخت ".
" لا , وهي مغرمة بريس , وظنت أن ريس مغرم بها , ولا أدري ماذا جرى بينهما غير أنني أميل ألى الأعتقاد أن السبب يتعلق بعمله , فهو لا يملك وقتا كافيا ينفقه عليها , وهو لن يصبح مليونيرا في أي يوم من الأيام ".
فسألتها زوي بدهشة:
" وهل أن يكون الأنسان مليونيرا أمر مهم؟".
" نعم , لفتاة مثل أورسولا".
وكان بوسع زوي أن تقدم ألف حجة وحجة على أن المال زائل ولا قيمة له , وأنما البقاء والقيمة فللحب وما ألى ذلك , ولكنها آثرت أن تلزم الصمت وهي تحرك فنجان القهوة.
منتدى ليلاس
وسألتها السيدة مكادم :
" أين ستقيمان بعد زواجكما ؟ هل ستقيمان في ذلك البيت القبيح الذي كان يملكه أخي الراحل , على رأس الرابية".
ونظرت أليها زوي نظرة حادة وأجابت قائلة:
" نعم , فأنا أعتبره بيتا رائعا".
" وهذه نقيصة أخرى في أورسولا , فهي تكره ذلك البيت , ولا أقول ذلك لأنني ألومها , ولو كنت مكانك يا عزيزتي لأصررت على ترميمه ترميما كاملا قبل أن أضع قدمي فيه".
وشعرت زوي بالأرتياح حين غادر السيد والسيدة مكادم البلدة عائدين ألى أدنبرة , وكان أسوأ جانب من زيارتهما هو عندما أصطحبت السيدة مكادم أورسولا معها ألى المكتب ذات صباح , وهناك أخذت أورسولا تداعب ريس على نحو كاد يفجر الدموع من عيني زوي.
ولماذا كان ريس متأكدا أن أورسولا غير مغرمة به؟ فهي لم تخف غيظها من زواجه بفتاة أخرى , وأخذت زوي تراقبهما يتضاحكان , فيما رأسه الأسود الشعر ينحني فوق رأس أورسولا الأشد سوادا , وكانت كارول فينتس تلفنت ذلك الصباح تسأل أذا كان خير خطوبتهما صحيحا , ولما ردت عليها زوي بالأيجاب , لم تكتم أستياءها الشديد , وقالت :
" كدت أقع في غرامه ...... فيا لسوء حظي!".
وتعجبت زوي كيف أنها لا تجد الشجاعة الكافية لتقول لأورسولا وكارول وسائر صديقاته أن لا نية لها في الزواج به , كان يجب أن يكون الأمر سهلا , فلماذا تسمح لومضة في عينيه , كلما تأملت في الموضوع , أن تقف عائقا بينها وبين أعلان تلك النية ؟ وحاولت التوصل ألى عذر يوفر لها الجرأة , ولكن عبثا , ألى أن جاء أيان غراهام ألى نجدتها.
كان ريس غائبا عن المكتب , فدخل أيان ألى غرفة زوي وأغلق الباب وقال مبتسما :
" هل أنت وحدك يا عزيزتي؟".
ورمقته بنظرة حائرة من دون أن تجيب , فقال :
" الحق , هذا سؤال سخيف".
" نعم , وسخيف جدا ".
فقهقه ضاحكا وجلس على طرف طاولتها قائلا :
" يبدو عليك التصنع حين تقولين مثل هذا الكلام ".
" وأنت يبدو عليك أنك لا تصدق الخبر عني وعن ريس".
" هنالك شائعات وأقاويل يا عزيزتي !".
" مثلا؟".
فأجابها بهدوء :
" كذا وكيت , كالعادة".
فصاحت به:
" أسمع , أنا أكره الذين يحورون ويدورون حول الموضوع".
" سأكون صريحا معك , هناك من يتساءل عن سبب غيابكما يوم الأثنين الأسبق أنت وريس , وعن ذهابه ألى أدنبرة في اليوم التالي وحول رأسه ضماد , وهذه تساؤلات أود أنا نفسي أن أعرف الأجوبة الصحيحة عليها".