ثم سارعت في الخروج من الغرفة , وحين أنتهت من طباعة الردود على المراسلات , وضعتها على طبق بجانب صحن الشورباء وبعض كسر الخبز المحمص , وبعد ذلك غلت القهوة وأبقتها ساخنة ألى ما بعد , ثم جالت بنظرها في أنحاء المطبخ وشعرت بالرغبة في تناول طعام الغداء هناك بسلام , لا مع مكادم على فراشه , ولكنها خشيت , أن هي فعلت ذلك , أن تعكر مزاجه وتثير نقمته .
وتلذذ مكادم بالشوراباء ولم يأكل من الخبز غير كسرة واحدة , ولكنه شرب فنجانين من القهوة , وبدا لزوي أن حاله تحسنت قليلا , وبعد أن وقّع بأمضائه على المراسلات حدق ألى زوي بجفون يغالبها النعاس فرأت أن من الأقضل أن تتركه وحده ليستسلم ألى النوم , وقال لها :
" عليك أن تعودي ألي عند العصر , فقد يكون لدي عمل أوكل به أليك".
فهزت رأسها علامة القبول, وأما هو فأضاف قائلا :
" لا تنسي أن تتلفني لبانتلاندس وتستخبري عن الطلب الذي أرسلناه , وقولي لأيان أن يذهب ألى دالمالي ويتحدث ألى المايجور كامبل عن يخته الذي أهمله طويلا حتى صار من الصعب أصلاحه...
فسألته قائلة:
" هل بأمكانه أن يتلفن للمايجور بدل أن يذهب أليه؟ فالطريق ألى دالمالي طويلة .......".
" السفر ألى هناك يقينا شره بعض الوقت! وأذا تذمّر من القيام بهذه المهمة , خففي عنه بأخباره أنني أريد منه أن يذهب ألى المكسيك يوم الخميس عوضا عني , فلن أكون في حالة صحية تمكنني الذهاب بنفسي ألى هناك ".
فقالت بدهشة :
" وكيف لا تكون في حال صحية جيدة ؟".
" لا تنظري ألي هكذا , قد لا أكون يومئذ على حافة قبري , ولكنني متأكد أنني لن أمون على ما يرام!".
وسرها أن يعترف لأول مرة بأنه مغلوب على أمره , فلا يكابر على الداء ولا يعتد بنفسه , فمن قبل كان يهزأ بأقل علامة تشير ألى وجود ضعف فيه , فيتصدى للقيام بعمل ما مهما صعب , بالرغم من شورتها وشورة أي كان .
وقالت له :
" المهمة التي توكلها ألى أيان مهمة خطيرة , فهل تظن أن بأستطاعته القيام بها ؟".
منتدى ليلاس
فأجاب ببرودة :
" لماذا لا ؟ أما له لسان يتكلم ؟ وعندما أوفدناه ألى فرنسا في السنة الماضية لم يكن لدينا شكوى من الطريقة التي أدى بها المهمة الموكولة أليه ..........".
" صحيح , ولكن أصر على اقول بأنه من الحكمة الأنتظار ألى أن تشفى , فتذهب ألى المكسيك بنفسك , فالمكسيك غير فرنسا ...".
فقاطعها بقوله:
" لا تقلقي عليه , فلن يحدث له أي مكروه , وهو لن يغيب أكثر من أسبوع!".
وحين أخبرت أيان بأمر السفر ألى المكسيك طار فرحا , وقال :
" لم أكن أظن أنه يوكل ألي مثل هذه المهمة ....... هل أنت واثقة من أنه مالكا لقواه العقلية حين أخبرك بذلك؟".
فأجابت قائلة :
" يبدو أنه يؤمن بكفاءتك ....... فعليك أن تكون أهلا لذلك , وأن لا تفعل شيئا من اليوم ألى الخميس القادم يجعله يغير رأيه فيك".
ولم يفعل أيان شيئا من هذا القبيل , بل أنصرف ألى عمله بجد ونشاط وترك زوي وشأنها , فلم يقم بأي محاولة لمعانقتها , وأن كان دعاها ألى تناول طعام العشاء معه بعد عودته من المكسيك , هذا أذا كانت رحلته ناجحة.
فقالت له زوي ضاحكة:
" أذا كانت رحلتك ناجحة , فلا أرى مانعا من الأحتفال بهذا النجاح ".
وفي يوم الخميس سافر أيان وعاد مكادم ألى عمله في المكتب كالمعتاد , وهكذا أنقضى الأسبوع ببطء , لأنها أفتقدت وجود أيان الذي كان يضفي على المكان جوا من المرح , خصوصا في غياب مكادم عن المكتب , وبدا أن مكادم أستعاد عافيته بسرعة , على الرغم من الأصفرار على وجهه والأنقباض في حركاته .
وقالت له زوي :
" ألا يكون من الحكمة أن تنصرف في المساء باكرا ألى أن تستعيد كامل صحتك ؟".
وأبدت هذه الملاحظة , وهي تلبس معطفها لمغادرة المكتب بعد أنتهاء وقت الدوام في السادسة مساء , وكان مكادم لا يزال منكبا على عمله , كأنما كان في نيته أن يستمر ساعات أخرى .
فقال لها بنبرة لم تخل من الأنزعاج :
" زوي ........ أخرجي من هنا ...... أرجوك!".
فتمالكت أعصابها وقالت له :
" كانت عازمة على دعوتك ألى بيتي لقضاء السهرة ....... جدتي ستشوي قطعا من اللحم على طريقتها اللذيذة الخاصة ........ أنا أعلم أن مثل هذا الطعام لا يلائمك بعد مرضك , ولكنني واثقة أن اللحم الذي تشويه جدتي طري وخفيف على المعدة ! ".
وشعرت بضيق النفس قبل أن ننهي كلامها , غير أنها أضافت :
" أما أن تقبل دعوتي وأما أن تعود وحدك ألى بيتك الخالي وتبقى بدون عشاء !".
" وهنالك بديل آخر , هو أن أتلفن للآنسة فينتس وأدعوها ألى العشاء في أحد الفنادق الفخمة!".
فعلا الأصفرار وجه زوي , فمالت عنه والدموع تترقرق في عينيها , وقالت :
" أعتذر لسخافة دعوتي لك ...... طابت ليلتك ".