3- تعالي ألى بيتي
وفيما مكادم وزوي يتبعان الطريق المحيطة بالبلدة , مالت زوي ألى الوراء على مقعدها بجانب مكادم وأفسحت في المجال للشعور الدافىء الهنيء , كانت تلك هي المرة الأولى التي تخرج فيها هكذا مع مكادم , ولذلك عزمت على أن تستغل المناسبة كل الأستغلال .
صحيح أنها كانت أحيانا ترافق مكادم في نزهة بحرية , وفي تلك النزهات كان الأنسجام بينهما على أشده , وكان مكادم هو الذي يقود الزورق ويصدر الأوامر , ولكنه قلما أصدر أمرا , لأنها كانت تدرك مسبقا ما يجول في خاطره , وكانت زوي تعتبر تلك النزهات من أهنأ أيام حياتها ,وهي لا تنفك تتذكرها وتتشوق ألى تكرارها.
أما في البر , على اليابسة , فلم تكن علاقتهما تخلو من المشاجرة الكلامية المتكررة , ففي المكتب , أو في ميناء بناء السفن , كان عند كليهما شعور كامن متبادل بالعداء , سرعان ما ينفجر عند أقل مناسبة ويتحول ألى خصام , وكثيرا ما كانت زوي هي الخاسرة لأنها لم تكن ندا له , وحين بدأ في الأيام الأخيرة يمازحها قليلا أشكل عليها الأمر ولم تستطع أن تتبين السبب , على أن ذلك المزاح لم يكن يتّصف بأي لون من ألوان اللطف والحنان.
وسألته قائلة:
" ألى أين نحن ذاهبان؟".
" ألى مكان لم يعد بعيدا من هنا........".
وبعد دقائق أنعطف بالسيارة ألى باحة فندق كبير لم تكن تعرفه , فقالت :
" أتراه مفتوحا للزبائن؟".
" على مدار السنة ..... وألا لما كنا جئنا أليه".
" أذن , كان سؤالي سخيفا".
" نعم".
منتدى ليلاس
ولم يكن هذا الحوار تمهيدا مشجعا هانئة بين رجل وأمرأة , وتنهدت زوي وهي تتطلع حولها , كان في باحة الفندق عدد كبير من السيارات الفخمة , فقالت بتردد :
" يبدو أنه مكان أنيق !".
" وأنت كذلك .... على أنني أرجو أن لا تتصرفي تصرفا مشينا !".
" سأبذل كل جهدي .......".
فأغتاظ مكادم وصاح بها قائلا :
" أياك والشعور بالنقص والضعة ...... يكفيني لسانك السليط ".
وأحست زوي برعشة تسري في عروقها , وأوجعها كلامه أكثر مما لو أنهال عليها ضربا , ولكنها كظمت غيظها وحاولت النزول من السيارة , فهب ألى مساعدتها وهو يقول :
" لا تنسي أن تحلي حزام المقعد.........".
ولما أرتبكت في حله سارع ألى معونتها , وبذلك أقترب منها أقترابا حميما فتراجعت قليلا , مما جعله يقول لها:
" لا تخافي , فأنا لا أعض !".
وهنا أسبلت جفونها غير قادرة على التطلع أليه , وكان الشعور الذي أحست به عندئذ لا عهد لها به من قبل , فلأول مرة أجتاحها الوعي الكامل لما كان يستمتع به من جاذبية جبارة وشيء بينهما لم يوصف بعد كان يثير فيها الشكوك والمخاوف.
وفجأة أنحنى مكادم وعانقها عناقا خاطفا , ثم تناول وجهها بين يديه بحنان وأماله ألى الوراء وأخذ يعانقها , وأسرف في ذلك حتى كاد قلبها الخافق يطير من بين ضلوعها.
وبعد قليل أفلتها قائلا:
" هيا يا زوي , أخرجي! ".
وأستولى عليها الرعب وهي تخرج من السيارة , ونظرت ألى عينيه , فرأت فيهما بريقا غريبا جعلها ترتجف , وقالت :
" لماذا عانقتني هكذا ؟".
ولم يجبها في الحال , وعلا الأحمرار خديها وهو يحدق أليها شارد الذهن , ثم قال :
" ظننت أن ذلك قد يضع حدا مؤقتا للجدال والمشاحنة بيننا !".
ولكن هذا الجواب لم يزدها ألا رغبة في النظر أليه بحيرة وشك , ومع ذلك قالت :
" فليكن كما تقول.........".
فتنهد وعادت الصلابة ألى ملامح وجهه وهو يقول:
" لماذا تتصرفين كما لو كنت تحققين في جريمة ...... هذا غالبا ما يحدث بين رجل وأمرأة من دون تخطيط ولا مجال فيه للشرح والتفسير ".
ولم يكن في وسعها أن تنكر ذلك , وعلى الرغم من أرتياحها ألى أعتبارها أمرأة ألا أن هذا لم يساعدها على الخروج من ذهولها وضياعها , وكانت الأحاسيس التي لا عهد بها من قبل تعصف في داخلها وتشهد على أنها عديمة الخبرة في مثل هذه الأمور .
وقال لها مكادم :
" هيا ندخل ألى الفندق يا زوي".
وكان الفندق يغص بالزبائن , بينما غرفة الطعام على وشك أن تغلق أبوابها , ألا أنه كان هنالك غرفة جانبية تقدم طعاما خفيفا , وفيما هما يأكلان , أدركت زوي كم كانت جائعة , وكم كان الطعام لذيذا .
ولم يتكلم مكادم كثيرا , كان يبدو عليه التعب والأجهاد , أو هكذا ظنت زوي , ولعل ذلك راجع ألى أنه قضى معظم ليل أمس مع الآنسة فينتس , وثارت فيها الغيرة حين خطر ذلك في بالها وتساءلت كيف يا ترى أمضيا الوقت معا .