ورجت أن لا تتأخر الآنسة فينتس وأبوها وأخوها في المجيء ألى مقابلة مكادم , فلو تأخروا قد يتوارى مكادم عن الأنظار أذا بقي نزاجه متعكرا كما هو الآن , فتقع عليها وعلى أيان مسؤولية الترحيب بهم ومناقشة طلبهم , وهو أمر عودهما عليه مكادم منذ زمن .
وجاء الزائرون في الموعد المحدد , وكان السيد فينتس مشهورا بكتابة الروايات التي تحولت في معظمها ألى أفلام , وكانت زوي قرأت في بعض المجلات أن العديد من الكتّاب لا يراعون الأوقات والمواعيد , ولكن شارل فينتس , على ما بدا , لم يكن من هؤلاء , وألقت زوي نظرة أهتمام ألى أبنته التي تحدثت معها على التلفون دون أن تلتقيها شخصيا مرة واحدة , وكان آل فينتس عائلة لندنية أشترت , لستة أشهر خلت , منزلا في جوار البلدة وهم الآن وهم الآن في صدد السكن هنا معظم أيام السنة .
وكانت زوي تظن أن الآنسة فينتس , من كلامها على التلفون , أكبر سنا مما هي وأقل جمالا , فأذا بها تجدها أكبر سنا ربما , ولكنها تتمتع بقسط لا بأس به من الجمال , وكان أخوها أصغر منها سنا , ربما ببضع سنوات , وهو على ما يظهر لم يتجاوز الثلاثين.
وقالت زوي للزائرين بأبتسامة رصينة :
" تفضلوا , السيد مكادم بأنتظاركم ".
وكبست زر الجرس لتخبره بقدومهم , فأمرها أن تدخلهم ألى مكتبه .
فيما هم داخلون سألها الشاب بصوت منخفض :
" هل أنت سكرتيرته ؟".
ولما أجابت بالأيجاب همس في أذنها قائلا :
" سأتصل بك قريبا!".
منتدى ليلاس
وبعدما صافحهم مكادم , طلب زوي أحضار القهوة , ولم يرقها منه هذا التصرف الجاف , ولكنها صبرت متأففة وذهبت ألى أجابة طلبه , وحين عادت بالقهوة وجدت مكادم يشرح لزائريه بعض التفاصيل التي حفظتها منذ زمن بعيد عن ظهر قلب , وكان مكادم يحسن الكلام عن السفن , بحيث لم تضجر من الأستماع أليه .
ونهض فردي فينتس الشاب ليتناول طبق القهوة من بين يديها , فأدركت أنه مهذب ألى جانب ألى جانب فضائله الأخرى , وشعرت أن مكادم أحس بما كانت تفكر فيه بهذا الخصوص.
وفيما هي تسكب القهوة في الفناجين , لم يزح الشاب نظراته عنها , وحاول أمتداحها فخاطبها قائلا:
" كنت مزمعا أن أقول لمديرك , يا آنسة كير , أنني أريد زورقا يتصف بالسرعة ويكون له أقوى محرك أستطيع الحصول عليه , فأنا لا أطيق البطء في أي شيء كان!".
فقاطعه مكادم بتهذيب ولكن ببرودة :
" أختيار المحرك بعناية هو السبيل الوحيد ألى بلوغ النتائج المتوخاة , ولذلك أنصحك , يا سيد فينتس , أن تحسن الأختيار أولا , فقوة المحرك لا تكون دائما هي المعول عليه , بل المعول عليه هو الخبرة وحسن القيادة , خصوصا في مياهنا الساحلية هنا ".
فلم يؤثر هذا الكلام في السيد فينتس , أذ أجابه قائلا:
" لا تقلق يا مكادم , فأنا سرعان ما أتقن القيادة بعد الحصول على قليل من الخبرة , فمعلوماتي واسعة في هذا المجال ".
فقال لها مكادم :
" تهانيّ على ذلك طبعا ..... قرأت كثيرا من الكتب في هذا الموضوع , بل أنني كتبت كتابين بنفسي....... غير أن التجربة العملية , على مدى السنين , علمتني أن هناك فرقا شاسعا بين المعلومات الكتبية والخبرة هناك في البحر!".
فضحك فردي فينتس وقال :
" هذا صحيح على الأرجح , ولكن ذلك لا يثير مشكلة عندي , سآخذ أحدا معي , ولمرة أو مرتين , كالآنسة كير مثلا".
وألتفت ألى زوي مبتسما وأضاف :
" لا أشك أنك ستقبلين مرافقتي لتدريبي على بعض الأمور الصعبة التي أجهلها......".
وفيما بعد , حين غادر آل فينتس المكتب , قال لها مكادم بعبوس :
" أذا قبلت دعوة ذلك الشاب ألى مرافقته في الزورق تكونين فقدت عقلك".
فتطلعت أليه من ين أكوام الدفاتر على طاولتها في المكتب وقالت :
" لم أحمل دعوته هذه على محمل الجد!".
فقال مكادم بسخرية :
" أذن لا أستغرب أن يقتل نفسه , يا للخسارة!".
وهزت زوي كتفها غير مبالية وقالت :
" بذلت جهدك لأيقافه عند حده , فلن أدعه يزعجك ".
" أنا لا أشجع أحدا على الأنتحار .......".
" يمكنك أن تفعل ذلك حين تتناول طعام العشاء مع أخته !".
" يا ألهي , أي أذنين صاغيتين لك؟".
" حين سألتك أذا كان موعدكما الليلة أكيدا , لم تكلف نفسها مشقة خفض صوتها , كما أنه لم يبد عليك أنك متردد في جعله أكيدا...... فلماذا لا تأخذها برفقتك ألى سهرة الآنسة فندلي غدا مساء ؟".
قالت ذلك بغضب ظاهر , فأجابها مكادم :
" أريدك أن ترافقينني ولا أستبدلك بأحد على الأطلاق".
" كيف لي أن أصدق كلامك؟".
" أنصحك بأن تصدقيه ".
وأقترب منها كثيرا حتى أنها أستطاعت أن تتبين الخطوط السوداء التي تحيط بحدقتي عينيه الزرقاوين , وقال لها :
" صدقيني يا زوي ........ هنالك جانب من شخصيتي لا تعرفينه بعد, فلا تدفعيني ألى أبعد مما أطيق!".
هل هنالك جانب آخر؟ كانت معتادة على مزاجه الغاضب , وكذلك على مزاجه الهادىء ولكن هذا الجانب الآخر ماذا عساه أن يكون غير الجانب الحسي؟