غير أن ريس لم يفعل شيئا من ذلك , بل أفلتها وأبتعد عنها قائلا :
" أترك لك الآن فرصة للتفكير .... وأؤكد لك أنني أبذل جهدي لأكون صبورا , ونحن لم يمض على وصولنا ألى قليل من الوقت ".
ولم تفهم تماما ماذا كان يعني بكلامه هذا , ذلك أنها كانت تصارع خيبة مريرة لم تجد لها وصفا أو تعريفا , وحاولت أن تتجاهل هذه الخيبة , غير أنها كانت في حال من التوتر الشديد .
ولاحظ ريس تلك الحالة التي تنتابها , فعزاها ألى العياء والتعب وأصر عليها أن تخلد ألى الراحة قبل الغداء .
وقال :
" نحن في مكان مرتفع كثيرا عن سطح البحر , والأعتياد عليه يأخذ بعض الوقت , والزائرون الجدد يجب أن يأخذوا قسطا من الراحة بعد الظهر , خلال الأيام الأولى من زيارتهم , ولكن بأمكانك أنت أن ترتاحي الآن , وبعد الغداء نخرج في نزهة أذا شئت ".
وكانت الشقة مؤلفة من غرفتي نوم , فقادها ريس ألى واحدة منها قائلا :
" خذي هذه الغرفة , وأنا آخذ الغرفة الأخرى".
وظنت زوي أن هذا الترتيب سيدوم ألى أن يعتاد أحدهما على الآخر , وأستطاع ريس أن يقرأ أفكارها , فقال :
" خير لك أن تستحمي وتلبسي ثيابا خفيفة , هذا أذا شئت أن تلبسي شيئا على الأطلاق...".
فرمقته بنظرة حائرة وهي في طريقها ألى الحمام , فتابع كلامه قائلا :
" لكل منا غرفة نوم....... ولكن الباب بينهما يبقى غير مقفل , فأنا لا أحب الباب المقفل بين الزوج وزوجته".
منتدى ليلاس
ولماذا يتكلم كأنما بألغاز , تساءلت زوي وهي تضطجع بين شرشفين جميلين باردين , وفي الحال غرقت في نوم عميق.
وبعدما أستفاقت متأخرة بعض الشيء , تناولت مع ريس طعام الغداء , ثم خرجا معا في نزهة داخل المدينة , وكان ريس يعرف الطرق لأنه قام بزيارة المدينة من قبل , وشرح لزوي كيف أن الطرق المتجهة شرقا وغربا يدعونها جادات , فيما التي تتجه من الشمال ألى الجنوب يدعونها شوارع , أما الطرق الضيقة فتدعى أزقة , وهي تحتفظ بطابعها القديم.
وقال لها وهما في طريقهما بالتاكسي ألى ما يقال له ( كورنيش الأصلاح) أن هذا الكورنيش لا مثيل له في العالم من حيث الجمال , وهو يبلغ ثمانية أميال طولا , ويحيط به على الجانبين صفان من الأشجار الباسقة , وتكثر فيه الساحات التي تقوم فيها النصب التذكارية.
ودهشت زوي بما كانت تشاهده في تلك المدينة من عمارات فخمة البنيان , ومناظر خلابة أعادت أليها حيويتها وأنعشت روحها , ومع أنها عادة لم تكن تحب المدن , ألا أنها لم تشك في أنها ستحب تلك المدينة كثيرا .
وبعد حين غادرا التاكسي وسارا على الأقدام , وكان الطقس في تلك الأمسية معتدلا , ولكنه في ذلك الفصل من السنة , كما قال لها ريس , يميل ألى شيء من البرودة في الليل .
وبالفعل أحست عندما خيم الظلام برعشة تسري في جسمها , فدخلا ألى أحد المطاعم ليتناولا طعام العشاء , وكانت تتضور جوعا لأن وقت العشاء , عند المكسيكيين , يبدأ متأخرا.
وحول المائدة تحدث ريس بمرح في موضوعات كثيرة متفرقة لا تمت أليهما شخصيا ,ولكنه كان يرمق زوي بنظرات شخصية حميمة , بحيث شعرت بالأرتياح حين نهضا عن المائدة للذهاب ألى الشقة.
وحين دخلت زوي ألى غرفتها , خلعت ملابسها وأستحمت مرة ثانية قبل أن ترتدي قميص النوم , وكان ريس أستودعها ليلة سعيدة , ودخل ألى غرفته , ولكن ذلك لم يمنعها من أتخاذ الحيطة , فيما أذا خطر له أن يتفقدها , بأن ترتدي القميص على عجل , فلا يجدها شبه عارية.
ولشد ما كانت دهشتها حين خرجت من الحمام ورأته جالسا في المقعد , قبالة المرآة , وهو يلبس رداء قصيرا , فلما وقعت عيناه عليها قهقه ضاحكا وقال :
" تبدين في هذا القميص كصبي في جوقة الغناء!".
فحدقت أليه بأستياء وهي تضم أطراف قميصها , ولكنه بادرها بالقول :
" أفضل قميص النوم الذي كانت ترتديه أورسولا ليلة جئنا لقضاء السهرة عندها ...... أتذكرين ؟".
فصاحت به :
" ألا تستطيع أن تنسى صديقاتك , حتى في ليلة عرسك؟".
فزالت الأبتسامة عن شفتيه في الحال , وقال :
" قبل أن تبدأي بالأنتقاد , أريد أن ألفتك ألى أنني لست في ليلة عرسي , كما أعتاد الناس أن يسموا مثل هذه الليلة!".
فأحمرت حياء وأدركت أنها أخطأت في كلامها , وقالت :
" أنا آسفة.........".
وودت لو أنها تقدم نحوه وتطوقه بذراعيها وتفصح له عن غرامها الشديد به , وفيما هي في حيرة , نهض للخروج من الغرفة ووجهه متجهم , وقال :
" أعترف بأنني كنت أمازحك قليلا ..... وربما بقساوة .... فطابت ليلتك , وألى غد .