6-عقاب الغجر
وعندما عادت الى رشدها كانت ممددة بين الأشجار , تحز في معصميها وكاحليها الحبال , بينما دست في فمها قطعة قماش خشنة عليها لثام ليثبتها في مكانها , أما كاليا فكان ممددا أمامها مباشرة تحت شجرة وقد علا شخيره دون أن يأبه بآلآم سجينته , وهي ملقتة تحت وهج الشمس في منتصف النهار.
وعندما أستيقظ من النوم كانت مارييل في حالة هذيان وأعياء شديدين من آلام الحبال المكبلة بها , وحرارة الشمس واللثم الخانق الذي على فمها , ولم يبد لها أية رحمة حين أنحنى ليحل القيود التي بدأت تؤلمها وكأنها قيود حديدية , وسألها متلمسا اللثام وهو يفكر , هل يرفعه أو يتركه.
" هل أفهم أنك مستعدة للطاعة الآن؟".
فأجابته من بين شفتيها المتورمتين وبعينيها المتوسلتين :
" نعم".
ولاحظت على فمه حركة أستهزاء بها , ألا أنه فك الحبال وتركها تدلك معصميها وكاحليها لتنشيط الدورة الدموية ,ومع ذلك لم تلمه أو تنهره حتى عندما قال:
" هذه مجرد عينة لما سيحدث أذا حاولت الهرب ثانية , فأن وجودك معي معناه الثروة في جيبي , وسيكون غضبي شديدا أذا كانت هناك محاولات أخرى تعرقل خططي , أنني أرثي لرغبتك في العودة لزوجك , وأرجو أن تكون لهفته عليك مماثلة للهفتك عليه".
منتدى ليلاس
وتردد صدى ضحكاته في أرجاء المكان ,بينما أخذ يبتعد عنها ليعدّ جواده , وحاولت جاهدة أن تكتم رغبتها الجامحة في الرد عليه بالأهانات التي يستخدمها والتي تضطرم على شفتيها.
وبقي على حلول الليل ساعتان قضتهما في أصلاح ما أفسدته القيود من مظهرها , فأغتسلت بالماء البارد لتساعد على تخفيف الورم من شفتيها وذراعيها , كما حاولت بأصابعها المبتلة , أصلاح شعرها المشعث وتركته أملس ملتصقا برأسها , أما ثوبها فكان مشكلتها الكبرى , فقد تمزق الى قطع مستطيلة تمتد من ركبتيها حتى الأرض , فبدأت في قطع الأجزاء الممزقة منه مراعية أن يكون ذيل الفستان متساويا بقدر الأمكان , وبعد أن رفعت من معنوياتها كأمرأة , عادت ثانية الى المكان الفسيح فوجدت كاليا قد ربط الحصان بالعربة ووقف ينتظر ووجهه متجهم , وبدون كلمة ركبت ماريل العربة وقد أفزعتها فرقعة السوط وهو يربط به ظهر الحصان ,وبقفزة فجائية كادت تلقي بها أرضا , تحركت العربة ثم توقفت فجأة وتراجع الحصان الى الوراء فاتحا خياشيمه وباسطا أذنيه دلالة على الخوف من شيء ظهر في طريقه , فأخذ كاليا يشتم وهبّ واقفا , وراح يشد العنان ليحث الحصان على التقدم ,ولم يستطع أن يرى شيئا في ظلام الليل , لذا كان جزعه كبيرا عندما سمع صوتا آتيا من جهة الأشجار وهو يأمره قائلا:
" أنزل يا كاليا , أنزل لتنال عقابك".
وخرجت من فم مارييل كلمة واحدة:
" روم!ّ".
وفي لحظة كان المكان يعجّ بعدد كبير من الغجر الذين خرجوا من بين الأشجار وقد تجهمت وجوههم وتحفزوا للأنتقام وهم يطالبون بأقرارالعدل وأنزال الجزاء , وصاحت مارييل وأنسلت من جانب كاليا الذي سمّره الخوف في مكانه , وجرت نحو روم فدفعها خلفه لتنضم الى مجموعة المتفرجين الذين كانوا ينتظرون بأنفاس محبوسة أول خطوة يتخذها قائدهم لينتقم من خصمه.
وأرخى الخوف قبضته على حبال كاليا الصوتية , فتمتم قائلا:
" لقد رجتني المرأة أن أساعدها , فهي تكرهك يا روم بورو حتى أنها عرضت عليّ رشوة لكي أعاونها على الهرب ,أن قبيلتي فقيرة وحاجتها شديدة الى المال فلا تلمني على فعلتي".
أما أحتجاجات مارييل على أتهامات كاليا وأدعاءاته فقد أخمدتها همهمة الرثاء التي تصاعدت من الغجر المحيطين بها , وظل روم الوحيد الذي لم يتأثر ولم تظهر عيناه أية دلالة على اللين , بل تجاهل توسلات كاليا وكرر أوامره :
" أنزل يا كاليا وأحضر سوطك معك ".
وردد الرجال بغضب وفي همس مخيف , عبارة واحدة هي : نزال بالسياط ! فتجمدت مارييل من الخوف وضغطت على نفسها لتشاهد نوعا آخر من الطقوس الهمجية , كان روم قد تحدّى الرجل الآخر , وأذا تراجع الآن , فأنه سيبدو للغجر وكأنه أرغم على قبول الأهانة بدون الرد عليها.