حذرته ترينا بلطف وطلبت منه أن لا يستعمل هذه التعابير الغريبة , نظر رود اليها مستغربا وقال:
" هذا ما قاله بنز".
قالت ترينا بصرامة وقساوة:
" أنت لست بنز".
بنز مراهق من دلثروب يحضر أحيانا الى براكيه ليقوم ببعض الأعمال أو ليساعد في أعمال الحديقة , عبست ترينا وتعجبت كيف وصلت هذه القصة الى سمع الأولاد؟ ربما بطريق الصدفة لأنه من غير المعقول أن يبحث بنز مع الأولاد خصوصيات أندرو.
لقد تأكدت نظريتها , أن الآنسة لانجلي هي المسؤولة عن حالى أندرو النفسية وحساسته من الندبة فوق خده الأيمن , بدأت الحقيقة تتوضح لها كل دقيقة , لقد رفضت الآنسة لانجلي حبه ,وهذا يعني أنها بالنسبة اليه أكثر من صديقة , ربما تكون خطيبته, وقد رفضت حبه بعد الحادث.....
هذا يفسر كل شيء , من يستطيع أن يبدّل أحساس رجل طبيعي ليصبح حساسا ورافضا بعد أن تشوه وجهه قليلا سوى رفض الفتاة التي كان يحبها , في مثل تلك الأحوال تكون الآنسة لانجلي لا تحبه...
منتديات ليلاس
لأن المرأة لا تستطيع أن تحطم الرجل الذي تحبه كما فعلت الآنسة لانجلي مع أندرو ,أنها مجنونة بل قاسية الفؤاد وصلبة
كانت جولي تراقب ترينا بعينيها الزرقاوين الراشدتين عن كثب:
" تعتقدين أنه أصبح على هذا الشكل بسبها؟".
سألت وهي تفكر بما قال رود , ألتفتت ترينا الى جولي بسرعة:
" ربما هو كذلك".
قالت بلطف:
" الراشدون أشخاص مضحكون يا جولي , عندما يجرحون يختبؤن خلف حاجز وهم يعتقدون بأنهم يحمون أنفسهم بذلك لن يجرحوا مرة ثانية".
سألها رود:
" وهل يجب أن يصبحوا قساة ووقحين؟".
" دعونا ننظر الى المشكلة من زاوية أخرى – لنفترض أن أحدا جرحك يا رود , ماذا ستفعل؟".
" سأقول له ليذهب الى الجحيم....".
" رود!".
كانت ترينا تؤنبه على أستعمال تعابير منافية للياقة , كشر رود من جديد ولم يأبه لأنذارها بل أكمل:
" عليه أن يذهب الى هناك على كل حال".
سألته:
" ألم تكن قاسيا ووقحا؟".
" نعم , أعتقد ذلك, ولكنني أنسى الأمر بسرعة ولا أبقى فترة طويلة في حالة الغضب والثورة مثله".
قالت جولي بحكمة:
" نعم لأننا نعيش مع والد يحمينا ممن يجرحوننا ولكننا لن نستطيع أن نستعمل هذه الطريقة مع أندرو؟".
سألتها ترينا بأهتمام:
" أية طريقة؟".
" كان والدي أحيانا يشد شعرنا وأحيانا يقبلنا وأذا أخطأنا ربما كان يكسر رؤوسنا ,والدي لا يكون سيئا حين يكون واعيا بالرغم من كونه مدمنا أخبرنا الطبيب أن علينا مساعدته كي يتخلص من هذا المرض , علينا أن نتسامح معه بسبب مرضه".
وافقت ترينا بسرها على أقوال جولي , طبعا هذه الطريقة لا تنفع أندرو , فهو يحتاج للعطف والحنان والمرأة التي تعيد اليه الثقة بنفسه بحبها له , قالت:
" ربما تتسامحون أيضا مع أندرو وتتحملون قساوته وصلابته لأنه أيضا مريض".
قال رود:
" ولكنه لا يشرب.... أو على الأقل لم نلحظ عليه ذلك".
وافقت ترينا بجدية:
" نعم أنه يختلف كثيرا عن والدكم في نوع مرضه ,عليكم أن تسامحوا معه بطريقة أخرى , أندرو لم يعتد وجود أطفال حوله في المنزل".
" أظن ذلك".
وافقت جولي ببطء , ثم بدأت تثور فجأة :
" ولكنه لا يريدنا هنا يا ترينا , شعرنا بذلك أنا وأخوتي منذ أول لحظة لنا في هذا البيت......حتى لينت وغايل تعرفان هذه الحقية , كان على والدي أن لا يضعه وصيا علينا , كنا نفضل لو ندخل أحد المياتم!".
أعترضت ترينا غاضبة وقالت:
" جولي!".
" أنا أعتقد أن الميتم أفضل لنا من وجودنا في بيت غير مرغوب فينا".
أصرت جولي على قولها :
" أنه لا يريدنا معه , بل يقوم بواجب فرض عليه".
ثم أكملت بسرعة وحدّة وهي غير راضية وقد نفذ صبرها :
" أوه , أنا أعلم أنه يجب علينا أن نكون شاكرين فضله , لقد صرف علينا الأموال الطائلة للأن , نحن شاكرين فضله حقيقة , ومع ذلك نشعر بأننا نفسد عليه عزلته ونشكل عبئا ثقيلا على كاهله , عندما كنا نعيش مع والدي كان الأمر يختلف, لقد أجمع الجميع على أنه لم يكن أبا وصالحا ومع ذلك كان يحبنا كثيرا..... وحاول جهده أن يكون أبا صالحا لنا , أندرو يفعل ما يتوجب عليه وليس ما يريد أن يفعله , ربما يتمنى لنا الهلاك ليتخلص منا".
منتديات ليلاس
أعترضت ترينا مرة ثانية:
" جولي!".
كانت تؤنبها بلطف فمن الصعب أن تؤنب شخصا يتكلم الصدق .... ولكنها لا تستطيع أن تدين أندرو لقساوته , غريزتها تخبرها أنه كان رجلا مختلفا قبل الحادث المشؤوم الذي غيّر طباعه ومجرى حياته ليجعلها درب عذاب ومرارة
أنه يختبىء خلف قناع قاتم , تبناه وأظهره للعالم الخارجي حوله , وتحت هذا القناع يقبع رجل حساس , سريع التأثر عرضة للأنهيار , رجل جرح جرحا عميقا ولا يزال يقاسي من النزف الذي ترك ندبة كبيرة في نفسيته أكبر بكثير من الندبة الظاهرة على خده الأيمن
الندبة الكبيرة تسكن في عقله ولا يمكن شفاؤها , جراحه الداخلية خفية ولا تزول , يجب أن تطفو الى السطح حيث يضمدها الحب والحنان وهو لن يسمع لأي شخص بالأقتراب منه ..... ستبقى هذه الندبات الداخلية على حالها مرّة تتآكل في داخله وتسمّم حياته.
أن حياة أندرو ليست من شأنها , سترحل ترينا عن براكيه بعد شهر , رحيلها لن يمنعها من التفكير به , ستظل تفكر به طويلا وتتساءل أذا كان قد وجد السعادة أخيرا.
وصلت ترينا الى هنا في تفكيرها , لتترك هذا الموضوع يرتاح قليلا , جلست وكتبت رسالة طويلة الى صديقتها ماردا تخبرها كل شيء عن براكيه والأولاد الأربعة الذين تدرّسهم .....
ربع الرسالة يدور حول الأولاد والبقية حول أندرو رب البيت , لم تتوقف عن التفكير به وبمشكلته , لقد نجح أندرو في أن يجعلها تنسى دنيس وتخرجه من تفكيرها.
نهاية الفصل الثاني