بدأ الوقت يمر بطيئا , كانت ترينا تستشير ساعتها كل خمس دقائق بدت الفترة الصباحية كأنها أشهر , لم يحضر أندرو في الصباح ,وساعات بعد الظهر مرت بطيئة , ولم يحضر أندرو بعد الظهر , غابت الشمس وأرخى الليل سدوله
لن يحضر أندرو في الليل ولم يحضر.... ولا زالت تتأمل أن يحضر في صباح اليوم التالي , ولكن اليوم أنقضى كاليوم السابق ولم يحضر أندرو , ومرت الأيام , فقدت ترينا كل أمل بعودته , وأجبرت نفسها على تقبل الأمر الواقع....... أنه لن يحضر أبدا.
لم تشعر نحوه بالكراهية , كانت واثقة بأن جرحه القديم بدأ ينزف , الجرح الذي خلفته جنيفر في نفسه كان أقوى من الندبة الظاهرة على وجهه , جرحه عميق ولن يندمل بسهولة وساعدت رسالة ماردا في أعادة شكوكه وعدم ثقته بالمرأة.
الحياة يجب أن تستمر , بدأت ترينا تفتش من جديد عن عمل كانت سعيدة لتجد أن مكانها في فرقة الباليه الدولية لا يزال شاغرا بدأت دوامة العمل من جديد وساعدها عملها في تضميد جراحها
كانت أحيانا تنسى أندرو في وهلة الرقص ولكنه يعود اليها حين تخلو لنفسها , من غير المعقول أن تنساه , ما تكنه له يختلف تماما عما كانت تكنه لدنيس
لن تشفى أبدا من حبه كما شفيت من حب دنيس , عليها أن تكيّف حياتها لتعيش بدونه , سكوته كان أبلغ مما يمكن أن يقوله , حين يصدقها ويثق بها سيعود اليها مستغفرا.... ستغفر له وتسامحه على الفور , فهي تحبه, ولكنه للآن لم يسترجع ثقته بها ولا يريدها.
منتديات ليلاس
مرت الأسابيع والشهور ولم تستلم منه أية رسالة , قررت أنه حادث عرضي في حياتها ربطها الى ما لا نهاية , لقد أنتهت بالنسبة اليه , لقد وضعها في صف جنيفر , الشك وعدم الثقة بها سيحولان دون تصالحهما ..... لن تعود المياه الى مجراها بينهما قبل أن يتغلب على شكوكه.
كانت ترينا ترقص مع زميلها الشاب القوي , حملها الى أعلى وطوحت نفسها الى الخلف بحركة رشيقة ويداها توازن حركتها , صدحت الموسيقى بعنف وضربت الصاجات ضربة قوية تعلن أنتهاء الرقصة ,عمّ القاعة صمت قبل أن يبدأ الجمهور بالتصفيق , كانت الرقصة تمثل أسطورة فلكلورية
بقيت ترينا مأخوذة بالموسيقى لفترة قبل أن تعود الى الواقع , لحظاتها الراقصة هي التي تتيح لها فرصة الهروب من ذكرياتها , لو بأستطاعتها أن تطبق على ذكرياتها الأليمة مع أندرو بأصابع قوية وتخنقها كليا في ذاكرتها.
دخلت غرفة الملابس مع الراقصات وهي تثرثر وتضحك , كان العمل المرهق وما يتطلبه من تمارين يشغلها عن حنينها الى أندرو , جميع أفراد الفرقة عرفوا بفسخ خطوبتها لأنها كانت قد أستقالت سابقا بسبب رغبتها في الزواج
كانوا يعتقدون أن أسباب فسخ الخطوبة تعود لأنها تحب الرقص ولا تستطيع أن تتخلى عنه لأي سبب , وقد وافقت على هذه المغالطة لتحمي ماء وجهها.
فكرت ترينا مرارا بالعودة الى براكيه ولكن كبرياءها تمنعها من هذه الخطوة , كانت تؤمن أن الخطوة الأولى للمصالحة يجب أن تأتي من طرفه بما أنه هو الذي أتهمها بالزواج طمعا في ماله
ولكن أندرو لم يخطو هذه الخطوة المنتظرة وبالتالي وهبت ترينا حياتها للعمل , أجهدت نفسها بالتمارين لعلها تنساه , تعجبت لأنها لم تسمع من جيرالدين أو تستلم منها رسالة
ربما وجدت جيرالدين أن من الأفضل أن تقبل بالأمر الواقع .... بأن كل شيء قد أنتهى ومن الأفضل أن تقبل بالأمر الواقع ... بأن كل شيء قد أنتهى ومن الأفضل أن لا تحيي الماضي بأتصالها.
مرت الأيام وتلتها الأسابيع والأشهر ... أربعة أشهر مرت منذ رحيلها عن براكيه , كم تمنت ترينا أن تلتقي أندرو صدفة في سيدني حيث يعمل كل أيام الأسبوع ولكن أملها ضعيف جدا لأزدحام المدينة بالسكان لكن تمنياتها باءت بالفشل ولم تلتقه أبدا , حتى لو ألتقته ما الذي سيحصل؟
ربما تكتشف بنفسها أذا كان كل شيء بينهما فعلا قد أنتهى أو ربما بأعجوبة تعود علاقتهما لمجراها الطبيعي.
مرت الأيام متشابهة , أعتادت حياتها الجديدة مع الألم والحزن وهي ليست أول فتاة تتألم لفسخ خطوبتها , كانت أحدى فتيات الفرقة الراقصة قد مرت بالتجربة نفسها حيث نبذها حبيبها وأحست أن العالم قد أنتهى
كان الجميع يخففون عنها , الراقصة الأولى في الفرقة , وهي سيدة عصبية المزاج تصاب بنوبات من الغضب مما يجعل من حولها يبتعد عن صداقتها, كانت تواسي الفتاة وتساعدها على تحمل مصيبتها
قالت:
" لا تدعيه يسبب لك كل هذا الحزن يا صغيرتي , مهما يكن فأنه لا يساوي دموعك الغالية".
أجابتها الفتاة وهي تبكي بحرقة:
" ما زلت أتألم كثيرا ولكنني سأنساه مع الوقت".
كانت ترينا نادرا ما تذهب في المساء خارج البيت , وأذا خرجت فألى دور السينما لوحدها أو برفقة ماردا , خرجت مرة لتشاهد فرقة الرقص الأسبانية التي كانت ستقدم أستعراضها في العاصمة....
وكانت تتناول غداءها مع فتيات الفرقة , أحيانا كانت تجد نفسها منفردة بزميلها الراقص النروجي , لم تخدع نفسها بأنه يحبها أو يتودد اليها وعادة كانت تتكلم معه بأمور الرقص والفرقة والتمرين ولكن ماردا كانت تجد في علاقتهما بصيص أمل .
ربما يستطيع هذا الشاب أن ينسيها أندرو قليلا
قالت ماردا مازحة:
"حان الوقت ليجد أندرو منافسا له , آسفة يا صغيرتي ولكن عليك أن تنظري الى الطرف الآخر للشاطىء".
" علاقتي به ليست كما تعتقدين , أنه لم يسألني أن أخرج معه في موعد".
" لقد حان الوقت تناولتما العديد من فناجين القهوة سوية قرب شجيرة الصبير".
" كان أجتماع عمل , نتكلم في شؤون الرقص".
" يجب أن نطلب منه أن يفحص رأسه".
" لا , لن تفعلي! ".
ضحكت ترينا بعد أن تذكرت أن ماردا تمزح .
"كم أنت خبيثة , معظم الأوقات لا أعرف مزاحك من جدك".
" لو كنت واثقة بأنه يستطيع أن ينسيك رجلك من آل دلوين لذهبت اليه وطلبت منه أن يغازلك , على فكرة ,هل يشتهر شباب النروج بالغزل؟ أنا لم أفكر بذلك من قبل".
أجابتها ترينا بسرعة:
" ليس لدي أية فكرة عن مواهبهم أو مؤهلاتهم في هذا المضمار , أياك أن تفكري بأي مقلب".
" ستكون تجربة علمية لو كنت واثقة بأنه سينسيك أندرو.........".
" أشك بذلك".
" المرة الثالثة , هي الثابتة .... يقول المثل".
" ليس دائما".
" لقد حان الوقت لتجربي حظك للمرة الثالثة , أنا لا أعني الشاب النروجي .... ولكنك لا تذهبين مع أحد مع أنني متأكدة بأنك تستلمين دعوات من غيره , ولكنك ترفضينها , لماذا لا تقبلين دعوة منها؟".
" لا رغبة لي".
صمتت ماردا برهة:
" أعرف أن حديثي يؤلمك , ولكن الرجل الذي لا يعترف أنه أقترف خطأ أو لا يستطيع أن يعترف أنه أقترف خطأ لا يمكن أن يسعد أية فتاة , لقد وصفته في رسالتك الأولى , أنه صلب قاس ولا قلب له..... وهذه الصفات تنطبق عليه تماما".
" لا , أنه ليس كذلك , أنه رجل مجروح ويحاول أن يجرح كل من حوله".
" أذا كان مجروحا فليس له الحق بجرح الآخرين حوله".
منتديات ليلاس
" لا حيلة لديه".
أجابتها ماردا بأشمئزاز:
" يا ألهي , أنك تنتحلين له الأعذار , أنه شيطان رجيم".
" المرأة دائما تنتحل الأعذار للرجل الذي تحب".
" عليه أن يثق بك أولا , أنه لا يصدق ما تقولين وحتى بعد أن أقسمت له..... كيف يمكنك بعد أن تحبيه".
هذا الجدل هو الذي كانت تخافه ترينا , كانت تخاف من أن تتوصل الى حقيقة أنه لا يحبها .... ولكن شعورها كان يطمئنها بأنه لا يزال على حبه لها بالرغم من كل ما حصل بينهما , وهو يحتاجها كما تحتاجه ولا بد لهما في النهاية من التلاقي.
حاولت ترينا أن تضع نفسها مكانه علها تتفهم تصرفاته , فوجدت أن ذلك صعب جدا لأنها كانت ستصدق كل ما يقوله لها , الثقة هي ركيزة الزواج.
لن تسعد بحمل أولاد منه, لن يكون لها ولد صورة طبق الأصل عن والده... عليها أن تنسى الموضوع برمته , هذا الموضوع قد أنتهى.
أدارت ترينا وجها فوق وسادتها , سيطول الليل وستنتظر طلوع الفجر وهي تفكر فيه وتتذكر حياتها معه التي لا يمكن أن تنساها أبدا.
يتدخل القدر في حياتنا رغم أرادتنا , لقد أصبح دنيس حرا أخيرا .... أنحل من رباط الزوجية.
صباح يوم السبت كانت ترينا تغني لنفسها نغما شائعا وهي ترتب الشقة وتنظفها بعد أن خرجت ماردا الى السوق لتبتاع بعض الحاجيات , ومع أنها حزينة من كثرة شوقها لأندرو ألا أنها أحيانا تنغم لنفسها لا شوريا , قرع جرس الباب
أعتقدت أن ماردا بالباب .... ربما نسيت مفتاحها في البيت أو لم تجده في حقيبتها لكثرة الأشياء التي تحتويها , فتحت ترينا الباب وظهر أمامها دنيس.