" علينا أن نتكلم بجدية".
نظرت اليه ترينا وقد أتسعت عيناها الزرقاوان وبدا الحزن الخفيف يطل منهما .
" لا تنظري ألي هكذا وألا أعدت الكرة".
" من يريد أن يكون جادا الآن؟".
قال مازحا:
" أحسني التصرف وأطيعي سيدك".
قالت ترينا وهي تتظاهر بأنها نعجة مطيعة:
" نعم يا مولاي".
" أنت طفلة مزعجة ".
أجابها:
" أريد أن أبحث مسألة سكننا".
سألته بأستغراب:
" ألن نعيش هنا في براكيه؟".
" وماذا عن مهنتك؟".
" سأتخلى عنها بالطبع".
أتسعت عيناها .
" هل تقصد أنك ستسمح لي بمزاولتها بعد الزواج؟".
" لقد قلت لي سابقا أنها تعني لك الكثير".
قالت ترينا صادقة:
" كان هذا قبل أن ألقاك وأحبك".
" شكرا يا حبيبتي".
قال أندرو بهدوء:
" أذا غيّرت رأيك يوما ما أخبريني , يمكننا أن نعيش في الشقة في سيدني ونحضر الى براكيه في العطل ونهاية الأسبوع".
" لم أكن أعتقد أنك متفهم لهذا الأمر".
" وهل أعتقدت أنني سأخفيك خلف حجاب؟".
منتديات ليلاس
كانت أبتسامته فيها مضايقة مفتعلة ولكنه جاد فيما يقول:
" لا أعتقد أنه يحق للرجل أن يمنع زوجته من ممارسة مهنة تحبها وتستطيع أن تعطي العالم شيئا خالدا".
ران صمت غريب ثقيل , أحست ترينا برجاحة تفكيره , كانت تنتظر من أندرو أن يكون أنانيا في حبه ويتطلب تفرغها الكامل له وكانت هي مستعدة للتضحية بكل شيء في سبيله , لقد صعقها بكرمه وأخلاقه ورجاحة عقله.
" ليس لدي أي شيء مهم أعطيه للعالم , لن أصبح راقصة أولى , أعرف أنني أستطيع النجاح في مهنتي كراقصة .... ولكنني سأظل في الصف الثاني , لست واهمة في مقدرتي , أنا أحب الرقص كثيرا وزواجي لن يمنعني من الرقص".
بدت على وجهها أبتسامة شيطانية ماكرة:
" حين أشعر بالرغبة في الرقص أستطيع دائما أن أؤدي رقصة الحرب الهندية في غرفة التسلية".
غمر أندرو الشعور بالأرتياح.
" لم أرك معلمة مدرسة يومئذ".
ثم أضاف:
" لقد جن جنوني".
" منظرك كان يشير الى ذلك".
تجولا سوية في الحديقة , كانا يتكلمان همسا كالعشاق وهما ينظران لبعضهما:
" عندما رأيتك جالسة وشعرك الأسود الحريري يلفك.... لا شيء أبدا يشبه تلك الكتلة الجليدية البشرية الصغيرة التي رأيتها أول مرة , لم أستطع الأنتظار".
" أنا مسرورة لأنك لم تنتظر".
وصلا الى البركة وجلسا جنبا الى جنب فوق حافتها , وصل طائر صغير ذو ذنب طويل جدا وحط قربهما قليلا ثم طار من جديد وقد فرد جناحيه في دفء الشمس يفتش لنفسه عن صديقة تشاركه حبه, أبتسمت ترينا وهي تراقبه , العالم سعيد كله اليوم , لا شيء حولها ينذرها بالغيمة السوداء التي كانت تنتظرها في الأفق.
منتديات ليلاس
لم يعد أندرو الى سيدني في ذلك الأسبوع , قام برحلة في السيارة برفقة ترينا الى ميونا حيث يشاد المصنع الجديد , عندما سينتهي المصنع هنا لن يسكن سيدني خلال الأسبوع
سيعيّن مديرا عاما للمصنع في سيدني ويتولى هو بنفسه أدارة المصنع الجديد وسيعيش كل الوقت في براكيه , لقد راودته هذه الفكرة منذ فترة.
هذا الترتيب يناسبها , سيدني ليست بعيدة حين يرغبان في زيارة العاصمة , أنتهى الأسبوع بهدوء , يوم الجمعة نزلت ترينا برفقة أندرو من جديد الى ميونا , كانت في طريقها الى سيدني
ستركب القطار بينما يمضي هو نهاره في تصريف بعض أعماله وسينتظر عودتها في المساء بالقطار أيضا
أنها تحتاج لفستان جديد للحفلة الساهرة التي ستقام يوم السبت بعد الحفلة الموسيقية , فكرت في أن تطلب من ماردا أن ترسل لها الثوب المخمل الأصفر لترتديه في الحفلة الساهرة ولكنها عدلت عن فكرتها , أن المناسبة هامة في حياتها
ستعلن خطوبتها رسميا ولا بد لها من شراء ثوب جديد للمناسبة وقررت أن تشتري أفخم ثوب تجده حتى لو كانت مادياتها لا تسمح لها بالبذخ
فالأنظار ستكون مركزة على الفتاة التي أختارها أندرو شريكة لحياته , هو رجل معروف في وسطه وهناك العديد من الناس ينتظرون التعرف اليها.
بدأ القطار يتحرك , شعرت ترينا بأنقباض وهي تفكر لو أنها ستغادر المكان بدون رجعة أو أنها لن ترى أندرو من جديد , لقد أنتهى هذا الأسبوع عملها في براكيه وكان عليها أن تغادر نهائيا .....
أنها ستغادر اليوم لتعود في المساء , ستعود لتعيش مع جيرالدين , لقد هدد أندرو عمته بأنه سيكون على عتبة المنزل يوميا.
كانت ماردا تنتظرها في المحطة الرئيسية في سيدني , كيف ستكون ردة فعلها لأنباء خطوبتها , وهي لم تخبرها بعد , لقد كتبت لها تقول أنها قادمة الى سيدني لتشتري فستانا من أجل مناسبة خاصة ولم تذكر لها الأسباب , كانت ماردا تنتظرها في المحطة خلف الحاجز وقد كست وجهها بالأصباغ الكثيفة من أدوات التجميل:
" مشاركتك منزل التنين تناسبك".
ثم كشرت:
" هل كنت تعيشين معه".
ضحكت ترينا كثيرا مما زاد النرات الماكرة في وجه صديقتها .
" حسنا .... أخبريني الحقيقة , هل كنت تعيشين معه يا عزيزتي؟".
" لا , ولكنني صممت على ذلك".
قالت ترينا بسرعة وقد رقصت عيناها فرحا ومرحا :
" نحن مخطوبان".
صرخت ماردا:
" ماذا".
أحست ترينا أن ماردا قد فقدت توازنها ولكنها وبسرعة أستعادت شيطنتها من جديد وقالت:
" أذن ,عملت بنصيحة عمتك ماردا , تهانينا!".
كانت ماردا صادقة بتهنئتها وألحت عليها بسرد التفاصيل
ثم نظرت اليها نظرة تساؤل وفهمت ترينا بسرعة ما قصدته وقالت:
" لا , أنني لا أهرب من دنيس ".
منتديات ليلاس
ثم لان صوتها:
" بل أحب أندرو كثيرا".
لم تعلق ماردا على أقوالها ولكنها شدت على ذراع صديقتها قليلا كأنها تقول لها : أنني أفهم وضعك لأنني أعرف طعم الحب الحقيقي.
" لنذهب ونشتري فستان الأحلام , أذن هو فستان الخطوبة".
" تقريبا".
ثم أخبرتها عن الحفلة الموسيقية وأشتراكها بالبرنامج برقصة قصيرة والحفلة الساهرة التي ستليها والتي سترافق أندرو اليها.
تجولتا سوية بالأسواق وأستعرضتا جميع الواجهات والمعروضات قبل أن تتوصلا الى ضالتهما , وأخيرا وجدتا الفستان البديع
كان مصنوعا من المخمل الأحمر القرمزي , تنورته فضفاضة طويلة وقبته مفتوحة محلاة باللؤلؤ الأصطناعي ويكشف كثيرا عن الرقبة والكتفين , بعد ذلك دخلتا اى مقهى صغير حيث تناولتا طعام الغداء وهما تثرثران أبتهاجا وسعادة .
كانت ترينا تتكلم عن أندرو بشكل عفوي وطبيعي كأية خطيبة تتكلم عن خطيبها وفارس أحلامها وتنظر الى العالم من حولها نظرة وردية متفائلة .
قالت ماردا تضايقها:
" لقد غرقت في الحب لأذنيك".
" أعتقد ذلك وأشك بأنني أستطيع أن أنسى أندرو كما نسيت دنيس, هذه المرة الشيء يختلف تماما , أنه الحب الحقيقي".
" هل أخبرت أندرو عن دنيس؟".