وصلت السيارتان ألى الساطىء الذهبي المزدحم , ومن هناك أنعطفتا بأتجاه بلايا أيسكانا , نحو الريف الزراعي حيث التربة الحمراء مزروعة بأشجار الزيتون والصنوبر والمطلة على الخليج الصغير الذي يمهد الطريق لشبه جزيرة صغيرة تدعى سانتا أيلاليا , كانت المنطقة هادئة , ريفية الطابع , تحيطها الخضرة من جميع الجوانب , أما شوارعها فكانت صغيرة , وفيها العديد من محلات بيع الهدايا والملابس الوطنية , عبرت السيارتان هذه القرية المنعزلة , ثم سلكتا الطريق المؤدي ألى أبييزا.
وعلى مدى ساعة جابت السيارتان مدن وقرى الجزيرة , وعبرتا مناظر متنوعة من الشواطىء والجبال والسهول , والملفت للنظر أن كل قرية أو مدينة كانت تتمتع بمميزاتها الخاصة التي تجعلها قبلة الأنظار من قبل السيّاح والمصطافين , وأخيرا توقف بروس أمام فندق ريفي , يطل مقهاه على الشاطىء الصخري , وأنتظر حتى أنضم أليه فرانسيسكو , وتحت خيمة بيضاء تكشف الريف والبحر معا , أحتل الأربعة مقاعدهم وطلبوا مرطبات منعشة بعد هذه الرحلة الطويلة .
جلست جانيت قبالة بروس على الطاولة وهي تفكر بالتغيير الذي طرأ عليها منذ أن غادرت البيت هذا النهار , أذ كان من الصعب عليها ألا تشعر بالحياة المتجددة بعد هذه النزهة والمناظر الخلاّبة ...... وجدت نفسها مع كل مشهد جديد تزداد أقتناعا بأن الحياة مستمرة ............ ورائعة أيضا .
ولم تستطع جانيت أن تجلس طويلا قبالة بروس الذي راح يحدق فيها بعينيه الزرقاوين الحادتين , لذلك تركت أمها تحدثه عن موقع الفندق الجميل والناس الذين ينزلون فيه , وأنضمت ألى فرانسيسكو الذي كان يقف على الشرفة يتأمل البحر , وعلى الفور بدأ المحامي الأسباني الشاب يشرح لها مواقع الجزيرة , ويشير ألى الموانىء العديدة المنتشرة حيث القوارب الشراعية تتحرّك بكسل فوق المياه الهادئة الصافية.
أنتهى الأربعة من مرطباتهم , وأستعدوا للعودة ألى البيت عن طريق الأستمرار في خط مستقيم ذلك أنهم في شبه دائرة حول الجزيرة , وهذا يعني أنهم سيصلون ألى سان غبرييل أذا ما أستمروا ألى الأمام , وليس من الضروري أن يعودوا من حيث أتوا .
وفجأة , وجدت جانيت نفسها في سيارة بروس , لم تعرف كيف حدث الأمر , ولكن يبدو أن الكلب قفز ألى السيارة البرتقالية فلحقته السيدة كيندال.
منتديات ليلاس
وهكذا أخذ فرانسيسكو والسيدة كيندال الطليعة , في حين لحقهما بروس وجانيت في السيارة الزرقاء الفاخرة , وشعرت جانيت بالفرق الكبير بين هذه السيارة والسيارة التي أستقلتها من قبل , ولذلك راحت تتأمل فرانسيسكو وأمها اللذين يقودان أمامهما , وهي تستمتع بالراحة في مقعدها الوثير , وعلى حين بغتة أنتصبت في كرسيها بتوتر وقلق , أذ أدركت بعد فوات الأوان أن بروس أنعطف في طريق ضيق تاركا السيارة البرتقالية تتابع سيرها ألى البيت , ولم يشرج بروس لجانيت معنى خطوته المفاجئة هذه , بل أكتفى بالقول:
" يجب أن أرى أحد الزبائن".
وأكتفت جانيت بأطباق شفتيها بشدة , بدون أن ترد عليه بكلمة , وسرعان ما وجدت نفسها تتمتع بالمناظر الريفية الخلابة وهما يخترقان الطبيعة الصامتة الهادئة.
وبعد عشر دقائق تقريبا ظهرت أمامها المدينة التي يقصدها بروس , وهي تقع في أسفل واد متوسط العمق , تحيط به الأسجار والغابات من كل النواحي , وما هي ألا لحظات حتى كان بروس يقود سيارته في شوارع المدينة الضيقة ,ثم توقف أمام أحد البيوت قائلا:
" علينا أن نسير الآن , فالسيارة لا تصل ألى المكان الذي أقصده ".
عبرا عدة أزقة ضيقة , على جوانبها تقوم بيوت صغيرة مطلية باللون الأبيض الناصع , وتطل عليها نوافذ خشبية تتدلى منها زهور مختلفة , ثم وصلا ألى شارع أوسع , تبدو البيوت القائمة على جانبيه كبيرة وثمينة , وأمام أحد هذه البيوت وقف بروس وقرع الجرس , بعد لحظات أطلت أمرأة ترتدي ثيابا سوداء , تناولت منه بطاقة تعريف وألقت نظرة فاحصة عليهما , ثم فتحت الباب الحديدي وطلبت منهما الدخول والأنتظار ريثما تبلّغ صاحب البيت.
أنتظرت جانيت وبرو في ردهة واسعة يدل الأثاث الذي يملأها على أن أصحاب البيت من ذوي الثروات الكبيرة , فقد كانت هناك لوحات فنية لعدد من الأسماء اللامعة في دنيا الفن , بالأضافة ألى تماثيل ومنحوتات كثيرة , وبعد لحظات أطلّ رجل عجوز ذو شعر أشيب غزير لوحت الشمس بشرته , وقد أرتدى ثوبا أسود اللون , عرّفها عليه بروس بأنه الدون أيغتازيو ....... ثم راح يحادثه بالأسبانية.
أستغربت جانيت كيف يأتي بروس ألى موعد عمل بدون أن يجمل معه حقيبة يده , لكنها فكرت أن المناقشة الشفهية بين الرجلين الآن قد تكون الخطوة الأولى نحو التعامل الرسمي فيما بعد , وهكذا أمضت عدة دقائق تتأمل اللوحات والمنحوتات بينما الرجلان غارقان في شؤونهما الخاصة , بعد ذلك أصرّ الدون أيغنازيو على أظهار ضيافته الأسبانية العريقة , ألا أن بروس رفض كل العروض ...... لكنه قبل عرضا واحدا مما أسعد صاحب البيت الذي أشار أليهما بأتجاه الداخل , ومن هناك خرجوا معا ألى حديقة غناء رائعة , كانت محاطة من ثلاث جوانب بجدران عالية مغطاة بالورود المتنوعة , وبكل فخر وكبرياء قاد الدون أيغنازيو ضيفيه عبر أشجار النخيل والبرتقال والموز وقرب أنواع من الزهور والنباتات.