6- غضب غير مبرر
جاء أيار ( مايو ) أخيرا حاملا معه أشعة الشمس اللاهبة , بحيث تحوّلت السهول الخضراء ألى اللون الذهبي الأصفر , وبدأت نباتات الذرة تعطي ثمارها التي جذبت العصافير المختلفة من كل مكان .
شعرت جانيت أنها بحاجة ألى هواء البحر المنعش ومياهه الباردة في مثل هذا الحر , وكانت تدرك أن ممر سكة الحديد كان يستعمل في السابق لنقل الملح , وهذا يعني أنه يمتد مباشرة ألى الشاطىء الذي يبعد بضع كيلومترات فقط , وذات يوم سألت أمها عن هذه المسألة , فردت السيدة كيندال قائلة:
" هذا صحيح يا عزيزتي , فسكة الحديد تأخذك مباشرة ألى شاطىء رملي صغير , وقد أستعملتها مرة أو مرتين بصحبة الكلب دال ".
سألتها جانيت :
" هل يمكنني أستعمال الدراجة على هذه السكة؟".
" أعتقد ذلك , فهناك ممر للمشاة على جانبها , ولن تستغرق الرحلة أكثر من نصف ساعة وهي أفضل من الذهاب مشيا على القدمين".
تشجعت جانيت بالمعلومات التي حصلت عليها , وأسرعت ترتدي ثياب السباحة وفستانا صيفيا خفيفا , ووضعت في حقيبة يدها منشفة متوسطة الحجم ...... ثم أتجهت ناحية الكوخ لأخذ الدراجة . ومع أن أشعة الشمس كانت حارقة , ألا أن جانيت تمتعت بالرحلة خاصة وأن الممر كان ممهدا أمامها , وعلى طول الطريق الممتد بين البيوت والمزارع , أعطت الأشجار الباسقة ظلالا وارفة حجبت في أماكن كثيرة حرارة الشمس .منتديات ليلاس
ولم تجد جانيت نفسها ألا وهي على الشاطىء , كان المكان يحتل نصف دائرة صغيرة من الرمال الذهبية , قام على أحد طرفيه مقهى صغير وعلى الطرف الآخر عدة غرف لتغيير الملابس والأستحمام . بينما ظهرت في جانب منه مجموعة من القوارب الصغيرة.
وأسرعت جانيت تتخلص من الحذاء والدراجة لتلقي نفسها في أحضان الموج الهادىء متمتعة بأنتعاش الماء وصفائه , ولم يكن عدد السابحين ليتجاوز أصابع اليد الواحدة..... لذلك أستسلمت جانيت للبحر الذي أنساها كل حرارة الرحلة من البيت ألى الشاطىء .
بعد وقت قصير خرجت من البحر تتمدد بكسل فوق المنشفة التي أحضرتها معها , ثم طلبت شرابا منعشا من المقهى المجاور وراحت تتأمل حركة الموج الأبدية , بينما الشمس تلوح جلدها الأبيض , وما أن أنهت شرابها حتى حزمت أغراضها تمهيدا للعودة ألى البيت , لأنها لم ترد أن تعرض نفسها للشمس بكثرة في المرة الأولى , طالما أن بأمكانها المجيء ساعة تشاء , وفي المرة المقبلة ستحضر معها كتابا لقراءته في أحدى الزوايا المنعزلة.
كانت حرارة النهار قد خفّت عندما بدأت جانيت رحلة العودة , وهكذا قادت دراجتها ببطء وهي تتمتع بكل مشهد من مشاهد هذه الطبيعة الساحرة , وفجأة أحست بنوع من تأنيب الضمير لأنها تمضي أيامها براحة وأستجمام بينما المفروض أن تكون في لندن لكسب لقمة عيشها , وتذكرت صديقتها نونا التي لم تنقطع المراسلة بينهما طيلة الوقت , فقد كانت رسائل نونا تتحدث عن نمو علاقتها بأحد مدراء المحل الذي تعمل فيه , وأيضا عن مشاكل وطرائف أنجيلا التي حلّت محل جانيت في الشقة حتى عودتها من أسبانيا.
لم تكن الساعة قد تجاوزت الرابعة بعد الظهر عندما وصلت جانيت ألى البيت , وكانت تتصور أن أمها تعد الآن , ولا شك , الشاي والبسكويت بأنتظار عودتها , ولكنها أكتشفت أن الباب الأمامي مغلق وهو أمر لا يحدث ألا نادرا عندما تذهب الأم للتسوق في نهاية الأسبوع , فتحت الباب ودخلت ألى القاعة الرئيسية منادية على أمها , ألا أن الصوت الوحيد الذي سمعته هو عواء دال الذي أسرع من المطبخ لأستقبالها , فكرت جانيت أن أمها قد تكون ذهبت في نزهة قصيرة ألى الحقول المجاورة , لذلك قررت أن تستحم بعد رحلة العودة ريثما تحضر السيدة كيندال ألى موعد الشاي.
أنهت جانيت جمامها ثم وضعت بعض الماكياج على وجهها الذي ظهرت عليه آثار الشمس , وعادت ألى المطبخ وهي تتوقع أن يكون الشاي قد جهز.
ولكنها فوجئت بأن الصمت ما زال مخيما على البيت , ولاحظت أن المطبخ على الحالة نفسها التي تركته فيها بعد الغداء عندما ذهبت ألى البحر.
بدأ القلق ينهشها وهي تفتش الغرف واحدة واحدة , ثم ألقت نظرة متفحصة على الحقول والبساتين المجاورة , ولم تهتم جانيت بالسيارات الفارهة المتوقفة أمام الفيللا , كما لم تلحظ القطة تويجي التي جلست على أحد الجدران المطلة على الفيللا تتأمل شيئا ما يجري في داخلها.
وعندما عجزت عن رؤية أمها في أي مكان , بدأت الشكوك تأخذ شكلا محددا ...... لكن هل هذا معقول؟ أسرعت تحث خطاها بأتجاه الفيللا وما أن عبرت السلم الرخامي وأطلت على الحديقة المحيطة بحوض السباحة حتى وجدت مجموعة من الناس في كل أتجاه , وهناك كانت أمها تتحدث بسرور وأرتياح ألى عدد من الأشخاص .
تصرفت جانيت وكأنها جزء من المدعوين , وأقتربت من أحدى الطاولات متظاهرة بأنها تبحث عن شراب منعش بينما أرادت في الواقع أن تلفت نظر أمها ألى وجودها , ولكن أهتمام الأم كان مركزا في أتجاهات أخرى .
وأخيرا أستطاعت أن تقترب منها , ثم همست في أذنها متعمدة أخفاء فمها خلف كوب الشراب :
" أمي ماذا تفعلين في هذا المكان؟".منتديات ليلاس
ردت السيدة كيندال هامسة:
" ولم لا يا عزيزتي , لقد طلب منا السيد والسيدة فورد أن نشارك في كل حفلة تقام في الفيللا ........ وأنا لا أمانع في اللقاء مع الآخرين والتحدث أليهم!".
قالت جانيت وهي تحاول المحافظة على هدوئها:
" ولكن لا يمكن أن نتوقع الضيافة من الذين نخوض ضدهم معركة قانونية!".
" كلام سخيف يا عزيزتي , فالسيد والسيدة فورد شخصان رائعان".
وأضطرت جانيت ألى التخلي عن الحديث , بعد أن أستدارت أمها لتتابع طرفة يرويها أحد الحضور , فهي تدرك أن السيدة كيندال تفضل أن تتصرف وكأن مشكلة الممر غير موجودة على الأطلاق ,وهكذا وقفت في مكانها تتابع المشاركين في الحفلة وهي تحتسي شرابها الملج , وفي كل شربة ألف غصة.
لم تكن السيدة كيندال وحدها سبب أنزعاج جانيت , بل كان هناك شخص آخر شاهدته فور دخولها الحديقة , وقد لاحظت أنه لم يرفع عينيه عنها منذ أقتربت من الحوض ..... وعندما ألتقت نظرته بنظراتها أحست أنه أدرك ما حدث بينها وبين أمها قبل لحظات.