صباح الأثنين هبت جانيت من فراشها بحيوية ونشاط وكأنها تتأهب لجولة جديدة من معركة طويلة قاسية , وعلى مائدة الأفطار , حدثت أمها عن رحلتها ألى القرية , وكأنها ذاهبة للتبضع وليس لمقابلة رئيس البلدية في أمر مهم وعاجل سيقرر مصير المر , ولم تكن جانيت لتغضب من مواقف أمها , خاصة أنها تدرك رغبتها في تمضية بقية حياتها بعيدا عن المشاكل والمنغصات .
بعد أنهاء كوب القهوة الثاني , أغتسلت جانيت وأرتدت فستانا ربيعيا مريحا ...... ولم تنس طبعا قبعة القش والنظارة الشمسية قبل أن تأخذ الدراجة الهوائية وتنطلق في رحلتها الطويلة , وعندما وصلت ألى محاذاة الفيللا و تمهلت قليلا لألقاء نظرة خاطفة ألى الباحة حيث تتوقف والسيارات , ولأرتياحها الشديد وجدت أن سيارة بروس والبروك ما زالت في مكانها , وعلى الفور أجتاحتها رغبة في الأنطلاق بأقصى سرعة كي تلتقي رئيس البلدية قبل بروس , ولكنها كانت تريد في الوقت نفسه أن تتمتع برحلتها فتصل ألى اللقاء مرتاحة ومستعدة لكل الأحتمالات .
ولم تكن جانيت مضطرة للأختيار , فقد أجبرتها الشمس الحادة على الأنطلاق بسرعة معتدلة خاصة أن الغبار بات يهدد منظرها وثيابها ,وعندما وصلت ألى سفح التلة التي تقوم عليها القرية , تركت الدراجة في المكان نفسه حيث تركتها المرة السابقة وراحت تصعد الطريق الضيق تحت الشمس التي أزدادت سطوعا وحرارة , وفي منتصف الطريق عثرت على سبيل ماء فاتتها رؤيته في الرحلة الماضية ,لذلك أنتهزت الفرصة لترطيب وجهها وعنقها وذراعيها وواصلت سيرها وهي تشعر بالأنتعاش المتجدد.
كانت القرية مهجورة كعادتها في مثل هذا الوقت , لكن روائح الطهي المنبعثة من عدة أماكن كانت تؤكد أن الحياة تجري طبيعية خلف الجدران البيضاء الصامتة , أجتازت جانيت الساحة العامة وتمهلت قبل أن تدخل مبنى البلدية الواسع.منتديات ليلاس
ألتقت في قاعة الأستقبال الموظف نفسه الذي ألتقته في المرة الأولى , حيّاها الموظف بلطف وكأنه عرفها على الفور , لكنها أضطرت ألى تذكيره بالممر ورئيس البلدية قبل أن يهتف قائلا بالأسبانية :
" آه رئيس البلدية ........ في المدرسة".
وعندما أستغربت جانيت علاقة المدرسة برئاسة البلدية , تابع الموظف شرحه قائلا:
" البروفسورة هناك".
" أذن رئيس البلدية هو الأستاذ أيضا , وما أن أستدارت ذاهبة ألى المدرسة حتى تذكرت أن كلمة البروفسورة تعني الأستاذة وليس الأستاذ , فعادت على الفور تستفسر من الموظف عن أسم رئيس البلدية....... فقال لها :
" السينيورة كاسيلا غارسيا!".
شكرت جانيت الموظف وغادرت المبنى متجهة ألى لمدرسة , لم يخطر في بالها أن يكون رئس البلدية أمرأة , لكن ما الفرق في أن يكون رجلا أو أمرأة , بالنسبة ألى أنهاء مشكلة الممر .....
أجتازت عدة شوارع خالية قبل أن تصل ألى ما بدا لها أنه المدرسة حسب وصف الموظف , وكي تتأكد من ذلك أوقفت فتاة صغيرة وسألتها فأجابت الطفلة بالأيجاب وهي تهرب خجلا , عند السلم الحجري الناصع البياض , ألتقت مجموعة من الأولاد بأزيائهم الرسمية , أخذ هؤلاء يتصايحون ويقفزون حولها وقد أستغربوا وجودها , ويبدو أن المعلمة سمعت جلبتهم فخرجت تستطلع الأمر , فأذا بها وجها لوجه مع جانيت.
سألتها جانيت:
" السيدة غارسيا؟".
أجابت المعلمة بأبتسامة عريضة :
" نعم".
رحبت بها بحرارة وقادتها عبر أحدى قاعات الدرس الخاصة بالمقاعد والطاولات والكتب لتي تركها الأولاد على جوانب المقاعد , ألى قاعة أخرى مرتبة ونظيفة للغاية.
وما أن سحبت السيدة غارسيا كرسيين لها ولجانيت ,حتى دخلت مجموعة من الأولاد وأتجهوا ألى المغسلة المجاورة بحجة تنظيف أيديهم.
أستعدت جانيت لعرض قصتها على رئيسة البلدية , ولكن ليس شفهيها , فقد عمدت طيلة العشرة أيام الماضية ألى أستنفار كل ما أتقنته من الأسبانية وكتبت رسالة مطولة تعرض فيها مشكلة الممر من أولها ألى آخرها , مستعينة بكتاب لتعليم الأسبانية وأيضا بما تعرفه أمها من هذه اللغة الصعبة .
تناولت السيدة غارسيا الأوراق وأخذت تقرأها بتمعن , في حين راحت جانيت تتفحص رئيسة البلدية بأنتظار حصولها على جواب شاف , كانت السيدة غارسيا جذابة للغاية بشعرها الأسود الاحم المنسدل على كتفيها , وترتدي فستانا أزرق يكشف عن ذراعين سمراوين ممتلئتين , وقد تزينت بعقد من الذهب وخاتمين ماسيين .بلأضافة ألى ساعة يد ذهبية .
وبين الحين والآخر , كانت السيدة غارسيا تبتسم لنفسها , وفكرت جانيت أنها تضحك على أسلوبها في كتابة الرسالة باللغة الأسبانية.... لا بأس في ذلك ما دام مضمون الرسالة واضحا ومفهوما , وفي النهاية رفعت رئيسة البلدية رأيها قائلة:
" فهمت المشكلة".
وأنتظرت جانيت بفارغ الصبر جواب رئيسة البلدية , ولكنها لم تفهم شيئا على الأطلاق عندما راحت السيدة غارسيا تتكلم وتشرح بلغة أسبانية سريعة , بحيث أحست جانيت بأنها تغرق في خضم لا قرار له , وأحاطت الجمل والعبارات المتسارعة بجانيت بدون أن تكون قادرة على الوقوف في سبيلها ..... ولم تستطع بعد جهد جهيد ألا الأعتذار قائلة:
" أنا آسفة.... لم أفهم شيئا".
فوجئت السيدة غارسيا بجواب جانيت , لكنها أستدركت وهي تنهض قائلة:
" لم تفهمي؟ لحظة فقط".