6- الحمى توقف المسيرة
تصبب العرق جداول من عنق ليا ألى صدرها , وقرّحت رباطات الحزمة الغريبة كتفيها مما زاد من أنزعاجها وألمها .
وأوشك الظهر أن يحل فيما أقتربت الشمس اللاذعة من كبد السماء , وأرسلت أشعتها المحرقة ألى الأرض , وتوقفت ليا لتلتقط أنفاسها , وقد أستندت بثقل ألى العصا , وأحست بالألم في مؤخرة رجليها يزداد أزاء الأنحدار السحيق أمامها , طوال فترة ما قبل الظهر تعرجا في سيرهما وهما ينحدران , وكان لا بد أن ينحدروا مسافة طويلة أيضا , فصاحت بغضب:
" قل لي بحق السماء كم هي المسافة أمامنا؟".
وقف رايلي على بعد بضعة أمتار منها , ومسح العرق عن وجهه وهو يحول عينيه متجنبا الشمس ناظرا أليها:
" المسافات خادعة وضلة في الأرض المفتوحة".
تمتمت:
" هل تقول هذا لي؟".
" هل تريدين أن ترتاحي هنا , أم يمكنك الأنتظار حتى نبلغ السفح؟".
تساءلت ليا وقد أنهكها السير:
" متى يكون ذلك ........؟ السنة المقبلة ؟ متى أسترحنا آخر مرة؟".
منذ أنطلقا كانا يستريحان مدة عشرة دقائق كل ساعة , فأجاب رايلي:
" منذ عشرين دقيقة تقريبا".
خيّل ألى ليا أن تلك الدقائق كانت أطول من سنة , لكنها صرفت على أسنانها , وأندفعت معتمدة على عكازها وهي تقول:
"هيا بنا ننحدر".
وأستغربت عدم أنحدارهما جلوسا على أكفالهما , فالسفح شديد الأنحدار , ألا أن رايلي تعرج في سيره مضاعفا المسافة ومخففا من شدة الأنحدار .
وتضاعف الألم في ذراعها اليسرى , وزاد تدليها على جنبها من حدته , فأدخلت يدها تحت حزام بنطالها مما ساعدها على تخفيف الأوجاع على رغم أرتباكها في السير على الأرض الصخرية المنبسطة .
وأحتكت أطراف حذاءها العليا بعقبيها , فأدركت ليا أنها سرعان ما ستصاب بقروح تجب معالجتها , ورفعت الحزمة ألى أعلى ظهرها , لكنها عادت فسقطت ألى الموضع المتقرح , ومشت بثقل وهي تجر قدميها المتهالكتين.
منتديات ليلاس
وركزت نظرها على الأرض أمام قدميها , رافعة عينيها من حين ألى آخر لتتأكد أن رايلي لا يزال يسير أمامها , وحاولت أن تتناسى أوجاعها وآلامها وجف حلقها وفمها.
لم يعد الوقت يعني لها شيئا فهي لا تعرف أن كانمت قد سارت ساعة أو ساعات قبل أن تنبسط الأرض تحت قدميها , وأنزل رايلي الحزمة عن متفه.
" سنرتاح هنا بعض ساعات لتتخلص من حر الظهيرة".
لو كانت ليا قوية وقادرة , لأبتهجت بالخبر , لكنها سرعان ما جثمت على ركبتيها وحررت ذراعها اليمنى المتقرحة وذراعها اليسرى الجريح من الحزمة ,ووضعتها برفق على الأرض.
وببلادة راقبت رايلي وهو يجرع بعض الماء من القنينة قبل أن يقدمها لها..... وكان صوت الماء المتدفق بين جنبات فمها رائعا .وقدّرت أنها تستطيع أن تشرب القنينة بأكملها لشدة ظمأها .
غير أن ظمأها ذكّرها بأهمية الماء , فأكتفت بجرعة واحدة .
فتح رايلي حزمتها ليخرج البطانية , ثم ألتقط العصا التي ألقتها أرضا , أشمأزت من نشاطه أذ ظنت أن بأستطاعته أن يجتاز عشر قمم من دون أن يتعب , وتنهدت فيما هو ينصب المظلة:
" لماذا لا تبدو متعبا ومنهكا مثلي؟".
أبتسم أبتسامة خفيفة وهو يثبت آخر ركن من المظلة , وقال :
" لعل السبب هو أنني لا أقضي خمسة أيام في األأسبوع جالسا خلف المكتب , هيا بنا ألى الظل الآن ".
زحفت ليا ألى الظل بفرح , وتمددت على ظهرها , وتمنت أن لا تتحرك ثانية , وسرعان ما أنحنى رايلي فوقها وقد ألتقت عيناهما بشيء من السخرية , ولوح لها بقطعة من لحم البقر المقدد قائلا:
" هيا...... كلي هذه !".
وضعتها جانبا وهي تقول:
" لا أقوى على تناول شيء".
قال بلهجة آمرة وهو يدخل القطعة بين شفتيها المفتوحتين جزئيا :
" كلي".
أطاعته مرغمة أذ تأكدت أنه لن يتركها ألا بعد أن تأكل , وما أن أنتهت من تناول الطعام , حتى تعب فكاها من المضغ , وتنهدت وهي تطبق أجفانها , وما لبثت أن غفت.
شعرت بيد تهز كتفها , ففتحت عينيها لتشاهد رايلي يجلس القرفصاء على يمينها , ورأت الحزمة مربوطة ألى ظهره والقنينة في يده ,وقال:
" سننطلق الآن , هيا أشربي حتى أشد حزمتك".
رفعت ليا نفسها وهي تطرد السحب السوداء المتلبدة أمام عينيها , ثم تناولت جرعة صغيرة من الماء , وردت القنينة أليه , وبينما أنزل رايلي المظلة , ضغطت بيدها على جبهتها المشتعلة , وأنتظرت أنحسار الدوار.
وقالت في نفسها أنها مريضة , وشعرت بأنتفاخ في ذراها اليسرى , لكنها رفضت أن يكون ذلك سبب دوارها ورغبتها في التقيؤ , وشعرت أن الألم يدب في كل مفصل من مفاصلها.