5- قرار الرحيل
غطّت السماء غيمة بيضاء أحاطتها الشمس بهالة ذهبية وأرسلت من ورائها أشعتها لتلوّح الأرض المغطاة بنبات الناعمة.
وبلّل العرق قميص ليا , فألتصقت بجلدها , وتعاظم ألم ذراعها خصوصا بعد أن أجهدت نفسها بتلويح البطانية للطائرة في الصباح.
وضغطت بيدها اليمنى على جبهتها لبضع ثوان , ثم رفعت رأسها وهي تدفع شعرها عن وجهها بعيدا بيدها , ومكثت ليا ورايلي النهار بطوله ينتظران الطائرة التي لم تعد .
ورفعت عينيها الحائرتين ألى رايلي الذي شرد بأفكاره بعيدا وهو يراقب السماء بدقة , وقالت بنبرة تنم عن الخوف الذي تملّكها طول النهار.
" هل تظن أن بحثهم عنا سيستمر لفترة طويلة؟".
ولمحت الغربة في عينيه الخضراوين اللطيفتين وهو ينظر أليها مجيبا:
" من الصعب التكهّن بشيء , فتنظيم حملة أستطلاع واسعة أمر يتطلب كثيرا من الوقت والمال , والأرجح أنهم سيبحثون عنا مدة يومين أو ثلاثة قبل أن يطلبوا من طياريهم المحليين التفتيش عن أثر الحطام فيما يرسلون طائرة أستطلاع أو أثنتين".
منتديات ليلاس
كانت معرفة الحقيقة أمرا محزنا خصوصا أن أحتمال ضياعهما بضعة أيام أخرى في الصحراء وارد , وأدركت ليا أنها لن تستطيع التفكير في هذا الأمر من دون أن تلوم نفسها , وأن رايلي أصاب أذ قال أن ذلك لن يحل المشكلة.
لم تشعر برغبة لتناول الطعام ,ولولا حاجتها لشيء منه لما مضغت بضع قطع من اللحم المقدد ببرودة على الغداء , وتلك الحاجة هي نفسها التي دفعتها ألى طهي وجبة العشاء , العمل الذي أنساها ورطتهما مؤقتا.
بعد مرور ثلاثة أيام على ضياعهما , قلت أنواع المأكولات المجففة في حوزتهما على نحو كبير , ونقبت بين المعلبات القليلة عن صنف شهي نسبيا , أثناء ذلك لمحت بطرف عينيها رايلي وقد جثم قرب الحقائب , ودفعها فضولها للأستدارة قليلا لترى ماذا كان يفعل , فدهشت أذ رأته فتح حقيبتها وأخذ يقلب محتوياتها.
فصرخت وهي تسرع نحوه:
" ماذا تظن نفسك تفعل وأنت تقلب حقيبتي . هذه أمتعتي ولا يحق لك أن تنقب بها".
لم يلتفت أليها , بل وضع كومة ملابسها الداخلية جانبا , ثم أخذ يفحص ألبستها الخارجية و وحاولت أن تنتزع ملابسها من يده وتكومها في الحقيبة , لكنه رفعها وطرحها بعيدا بسرعة ولم تقدر معها أن توقفه عن عمله , وصاحت:
" هل سمعت ما قلته لك؟".
أجابها رايلي أخيرا:
" أنني لا أسرق شيئا , فأنا أبحث عن ملابس تناسبك خلال السير".
قالت ليا بمرارة وهي تحاول أن تطوي الملابس التي طرحها:
" بأمكانك أن تسألني أذ ليس من واجبك أن تقلب أمتعتي".
وأمسك بنطلون حنطي اللون وقميصا طويلة الأكمام بيضاء نقشت عليها خطوط منحرفة ومتقاطعة .
ثم قال :
" سبق أن رأيت ملابس نسائية , فلا داعي لأرتباكك وخجلك , وهذه الملابس قد تنفع".
جلست ليا القرفصاء وهي تتطلع ألى وجه رايلي الهادىء بأرتباك ,ثم ألتمع في ذاكرتها بعض من أقواله السابقة , فقالت وهي تعبس:
"ستنفع؟ لأي شيء ؟ وماذا قصدت حين قلت : ملائم للسير؟".
أعلن رايلي بهدوء:
" سنرحل".
ثم أستدار ألى حقيبة زينتها وسألها وهو يفتح الغطاء :
" هل لديك معجون لدهن الوجه؟".
فأنحنت ودفعت القارورة وهي تقول:
" أجل , لماذا تريد معجونا لدهن الوجه؟".منتديات ليلاس
لم يعد لجوابه أهمية عندما أدركت معنى أعلانه السابق , فسألت:
" كيف سنرحل؟".
"سيرا على الأقدام بالطبع".
ثم نظر أليها نظرة سريعة وهو يفتح القارورة وينتزع بعض المعجون بسبابته , ثم فرك أبهامه بسبابته بمهارة وهو يقول:
" سيقي هذا المعجون وجهك الشاحب من الشمس".
قالت ليا وهي تحدق ألى القفر الجبلي الواسع :
" سيرا على الأقدام؟ لا شك أنك جننت".
قال رايلي وهو يترك حقيبة الزينة ليفتح حقيبته:
" البقاء هنا جنون أعظم".
علقت ليا بغضب:
" أعرف أنك تظنني مجنونة , لكنني أعلم أيضا أنك عندما تتوه ويبدأ الناس بالبحث عنك , عليك ألتزام مكان واحد والأمتناع عن التجوّل , ونحن لا نكاد نعرف موقعنا".
وأخرج قميصين متسخين من حقيبته , ثم أغلقها , وقال:
"أستطيع تحديد موقعنا على نحو تقريبي".
ثم نهض ومشى , فتبعته ليا وكأنها ظله , وتمتمت :
" هذا رائع و هل تعني أننا في مكان ما من نيفادا؟ لقد كان بأمكاني أن أخمّن ذلك ".
توقف رايلي فجأة حتى كادت ليا تصطدم بظهره العريض , ونظر أليها نظرة فولاذية .
وقال :
" نحن موجودان على الجانب الشرقي من سلسلة جبال مونتير , وهذا يعني أننا نبعد حوالي مئة كيلومتر عن أقرب مدينة وذلك في خط مستقيم , أو 145 كيلومترا سيرا على الأقدام".
ونظررت ألى الصحراء المترامية الأطراف , فخيّل أليها أنه من المستحيل وجودهما في بقعة قريبة من المدينة , وقالت:
" ربما متنا في الطريق".
" ربما متنا هنا".
توقفت لتقول:
" أجل , ولكنّ بقاءنا هنا يعطينا أملا بالخلاص , أملا بالتلويح لطائرة الأستطلاع التالية".