وهبت نسمات خفيفة , ثم نظرت حولها لترى أجمات نبات الناعمة الجافة المنتشرة حول جانب الجبل , وشاهدت بضع أشجار صغيرة من أنواع مختلفة مغروسة فوق منحدراته , وسألت:
" هل هناك أحتمال أن يشتعل العشب من حولنا؟".
ولم تحاول أن تتصور الفزع والذعر الذي سيدب فيهما أذا كان عليهما الهرب من مثل هذا الحريق , وأجاب رايلي:
" أحتمال ضئيل , فدائرة النار ستحفظ اللهيب من الأنتشار خصوصا أن الريح ليست قوية , والغريب أن نادرا ما تمتد في الصحراء علما بأن نباتاتها جافة وقابلة للأحتراق بسرعة".
مالت ليا برأسها جانبا , ثم دفعت شعرها الأمامي خلف أذنها وهي تقول:
" لماذا؟".منتديات ليلاس
فأوضح:
" لأنها جافة , كما أرجّح , فهناك قليل من الرطوبة في الصحراء مما يمنع النباتات من النمو قرب بعضها , وجذور النباتات هنا كبيرة وعميقة لتتمكن من أمتصاص كل قطرة ماء , وهي بذلك تخنق أي نبتة جديدة تحاول النمو , والمسافة بين النباتات تمنع أي حريق من أن يشبّ ويمتد".
ثم جلس القرفصاء ينتظر أشتعال كومة الحطب الهرمية الشكل , عندئذ فقط فهمت ليا معنى قوله في الليلة الماضية أن أشعال النار عملية بطيئة أذا تمت من دون الأستعانة بالبنزين أو أي وقود آخر سريع الأحتراق.
ثم أستأنف حديثه:
" أما الآن , وقد وجدنا الماء فبأمكاننا أن نخلط بعض هذه الأطعمة المجففة".
فتحت ليا الصفيحة وأخذت تنظر ألى العلب قائلة:
" لنر ما فيها , هنا بعض حساء من لحم البقر , ولكن , أي أناء نستعمل لنغليه؟".
أجاب:
"يوجد فوق المنحدر بعض القطع المعدنية الملتوية التي تطايرت من جناح الطائرة , وربما أمكننا أستعمال أحداها كقدر مؤقتا".
وقالت وهي تقف:
" دعني أرى".
بيد أنه أشار عليها بالجلوس , وقال :
" أرى أنه من الأفضل أن أفحصها أنا بنفسي , فلا أريد أن تجرحي نفسك عرضا بأطراف المعدن الحادة".
ثم شقع قطعتي خشب كبيرتين بجانب بعضهما بعد أن تأكد أنه ترك فسحة في أسفلهما ليسمح بدخول تيار الهواء.
لم تبد ليا معارضة وهي تراه يقف برشاقة لأنها أحست بأرتباك وأنزعاج فيما كانت تجمع الحجارة لبناء دائرة النار بيد واحدة.
وفي غضون دقائق رجع رايلي وهو يحمل قطعة معدنية ملتوية , ثم أنتزع حجرين من دائرة النار وأستعمل أحدهما كمطرقة والآخر بمثابة صخر مساند , وطرق الأطراف الحادة على المحيط الخارجي للقدر , ثم قلب القدر واضعا فوهتها على الصخرة وبسط قعرها , ولما أستقامت جوانبها , فحصها للحظة ثم ألقى بها ألى ليا , ورفع جبينه بسخرية وهو يسأل:
" أتظنين يا حضرة الطاهية أن هذه القدر المؤقتة ستنفع؟".
أومأت ليا برأسها وهي تقول بمرح :
" أذن , أنا هي الطاهية , أليس كذلك؟".منتديات ليلاس
ورنت من عينيه الخضراوين ألتفاتة ماكرة حين قال :
" أن الطهي عمل من أ‘مال زوجة الهندي , أليس كذلك؟".
أبتسمت ليا وهي تهز رأسها فيما تعجبت في سرها من أنهما يتندران على الدم الهندي الذي يجري في عروقه بعد ملاحظتها العنيفة والساخرة والغبية في الليلة الماضية.
وقالت:
" لقد سمعت أنه كذلك".
وأراها القدر لتفحصها وهو يسأل :
" أذن, هل تنفع القدر؟".
" أظن ذلك , ولكن , هل يمكنك أن تعطيني القنينة؟ فسأمزج الحساء فيما تعمل على أضرام النار".
قطرت ليا بعض الماء في القدر وغسلتها أولا , ثم جففتها ببعض الورق الرقيق , وخمنت مقدار الماء الذي تتطلبه القدر , ثم أضافت الحساء المجفف.
ثم نظرت ألى رايلي وقد علت وجهها أبتسامة مفاجئة لتقول:
" بماذا أحرّك المزيج؟ وبعد, كيف يمكننا أن نأكل الطعام بدون ملعقة؟".
ناولها سكينه ونصلها مغمد:
" هناك السكين , أظن أنه من الأفضل أن نأكل اللحم والبطاطا بواسطة السكين ثم نشرب السائل".
فحركت المواد الجافة في الماء وهي تعلق:
" وأظن أننا سنستعمل القدر كطبق جماعي".
مرّت قرابة ساعة قبل أن يتمكن من جمع بعض جمرات مشتعلة من قلب النار لتسخين الحساء , ثم وضع القدر على علو بضعة سنتيمترات من النار وقد دعمها ببضع أحجار مسطحة .
لم يمر وقت طويل قبل أن يغلي السائل وتنبعث منه رائحة شهية.
وفي الوقت نفسه صمم رايلي صحنين قليلي العمق من معدن الطائرة موضحا أن ليس بأمكانهما أحتساء السائل من القدر لشدة حرارة جوانبها , ولما نضج الحساء , أخذ قميصه التي نشرتها ليا على الشجيرة وثناها ليرفع بها المقلاة عن النار.
وصب الحساء في الصحنين بأنتباه , وقدم صحنا ألى ليا , ورفضت ليا أستعمال سكينه لأنها فضّلت أن تغرف القطع الكبيرة بقطعة بسكويت رقيقة , ولم تثبت الملعقتان المؤقتتان جدارتهما رغم أنهما أدتا الغرض المنشود.