9- اللقاء
أبيضت أصابع ليا الممسكة بالعصا , وشعرت بغصة في حلقها وهي تلقي نظرتها الأخيرة على اواحة التي شهدت أعلان حبها .
وأمتدت فوق البركة ظلال كثيفة مع خيوط الفجر الأولى , فبدت البركة مظلمة وغامضة وكأن أبواب الفردوس أغلقت خلف ليا .
ستخمد نيران المخيّم , ويتبعثر الرماد , ولن تلبث الصحراء أن تمحو كل أثر لوجودهما , فيما تعود البركة ملكا لحيوانات الغابة .
قال رايلي بعدم أكتراث وهو يهز كتفيه ليصحح وضع الحزمة المشدودة ألى ظهره :
" هيّا بنا ".
هزت ليا رأسها موافقة , ثم أدرات ظهرها للمشهد مرغمة , وتحاشت النظر ألى عينيه الخضراوين كلما أستطاعت ذلك لأن الجفاء فيهما اربكها.
لم يشاطرها رايلي الحزن عندما غادرا المكان حيث عاشا فترة قصيرة من التقارب النفسي والحسي , كانت أسرة ليا تنتظرها في آخر الطريق , ولكن ليا أدركت في قرارة نفسها أنها لو خيّرت , لبقيت هنا مع رايلي , ولو أن تلك كانت عاطفة خيالية تفتقر ألى المنطق والتطبيق.
لكنها أحبته ؟ الله كم أحبته؟
وتقدم رايلي المسيرة كالعادة , ألا أن خطواته كانت أبطأ من ذي قبل , وأدركت ليا أنه فعل ذلك للأحتفاظ بقوتها , لم تثقل كاهلها أي حزمة هذه المرة أذ حمل رايلي كل أمتعتهما.
ولم تتعب ليا خلال ساعات السير الأولى ,التي تخللتها محطات أستراحة طول الوحدة منها عشر دقائق , بسرعة كما توقعت , ثم بلغت الشمس ذروتها , وأخذت حرارتها تلفح ظهر ليا.
أقام رايلي مخيما جديدا وسط الوادي الصحراوي على جانب الطريق المتآكل الذي سارا عليه أميالهما الأخيرة , وأستلقت ليا متعبة تحت المظلة , ثم رشفت بعض الماء قبل أن تغمض عينيها.
منتديات ليلاس
أنعشتها القيلولة بعض الشيء , وقبل أن يستأنفا الالسير سأل رايلي ليا ببرودة عن صحتها, فأجابت بعدم أكتراث:
" أنني بخير".
شعرت بالتحسن مؤقتا , لكن الوهن أصابها بسرعة أكثر من الصباح , كانت أسنانها تصطك مع كل خطوة مشتها , وخيّل أليها أن محطات الأستراحة التي تمتد كل منها عشر دقائق بدأت تقصر , وشعرت بالضعف يهاجمها , ألا أنها سارت وهي تشد على أسنانها , ولم يبتعد رايلي عنها غير خطوات قليلة , وحثتها خطواته الرشيقة على متابعة السير وهي تفكر أنها تعيقه , فلولا وجودها معه لكان قطع مسافة أطول , وأدركت بأسى أن رايلي صمّم أن يحصل على المساعدة , وألا يقضي معها ساعة واحدة أكثر مما يجب.
أصطدم كاحل ليا بحجر , فوقعت على ركبتيها , وأذ بيده تمسك بذراعها لتساعدها على النهوض , فأنتزعت يدها من قبضته , وأنتصبت واقفة وهي تقول بحدة :
" أستطيع أن أقف معتمدة على نفسي".
ونفضت ليا الرمل العالق براحتيها على بنطالها , وتأملها ببرودة :
" هل أصيب كاحلك؟".
تفحصت ليا كاحلها بحذر شديد حيث أحست ألما بسيطا :
" هيا بنا , فأنه بخير".
وأعطاها رايلي العصا التي رمتها , ثم تابعا المسير.
وقبل غروب الشمس توقفا ليبيتا الليل , وأرتمت ليا على الطريق المتآكل متعبة وهي تسند رأسها على ركبتيها المنهكتين , ودفع رايلي القنينة أليها فيما تخلّص من حمله ,وأرتجفت يداها من شدة التعب ولم تستطع أن تثبت القنينة على شفتيها دون أن يضيع الماء , وأخيرا أضطر رايلي أن يضعها بنفسه على شفتيها.
أخرج رايلي قطعة لحم مقدد من الحزمة :
" لا يوجد عندنا ماء يكفي لتحضير وجبة طعام معلب".
دفعت ليا قطعة اللحم بعيدا عنها:
" لست جائعة".
وأمرها:
" هيا كليها".
فأخذتها ليا مرغمة وهي تتذمر :
" أنني منهكة للغاية".
" سأذهب لأبحث عن شيء أشعل به نارا".
مضغت ليا قطعة اللحم بتعب , وأنتهت من تناولها قبل عودة رايلي , فتمددت على الأرض الصلبة غير المستوية , ولم تفتح عينيها عندما سمعت خطوات رايلي الذي دثرها بالبطانية , كانت ليا متأكدة أن الألم في عضلاتها لن يجعلها تشعر ببرد الليل , ثم سمعت رايلي يشعل نارا , فتوقعت أنه أحضر وقودا ,وما هي ألا لحظات حتى تقززت من رائحة مادة نتنة كانت تشتعل.
وأنقلبت على ظهرها وهي تضغط على أنفها وتنظر ألى رايلي :
" ما........... ما هذا؟".
" لم أجد حطبا , لكنني عثرت على بعض روث البقر , رائحته كريهة , لكنه يشتعل , ونحن بحاجة ألى نار نتدفأ بها".
شدّت ليا البطانية فوق رأسها لتحاول التخلص من الدخان ذي الرائحة الكريهة , وأنساها التعب ما حولها حتى أنها لم تتذكر غروب الشمس , أمسكت يد بكتف ليا ,فأفاقت مرغمة وقد غشي نظرها من النوم العميق ورأت عند راأسها حذاء علته أردان سروال متسخ , وأرتفع نظرها ألى البزة المتناسقة التي غطت فخدي رايلي العضليين ووركه وخصره وكتفيه العريضتين ,ثم ألتقت عيناها بعينيه الخضراوين .