وأفتر ثغرها عن أبتسامة وهي تتصور رد فعل والديها فيما لو أتيحت لهما فرصة مراقبتهما في هذا المشهد حيث جلس رايلي يحاول أصلاح فخ متلف ليليتقط به وجبتهما المسائية , في حين سرحت هي شعرها بعد أن غسلت ملابسهما في الساقية وأستحمت في البركة .
وكادت عقارب الساعة ترجع مئة سنة ألى الوراء , فالأمتعة الحديثة القليلة التي كانت في حوزتهما لم تتعد مصباحا وكمية من الطعام المعلب ومسدسا وسكينا , أما بقية الأمتعة من قدر وأطباق وملاعق وأفخاخ ومظلة , فكانت من صنع أيديهما.
وتمعن رايلي فيها وقد تحول وجهه جانبا بعد أن أرتسمت عليه أمارات الفضول:
" لماذا تبتسمين ؟".
أأتسعت أبتسامتها المتعبة:
" كنت أتخيل دهشة والديّ لو أتيحت لهما فرصة مشاهدتنا الآن ونحن نعيش هنا في هذه الصحراء".
فهز رأسه متفهما , ثم تفحص السماء قبل أن يعود ألى أصلاح الفخ , وأبعد تصرفه البسمة عن وجه ليا , فقالت:
" لم يعد هناك أمل كبير في أن تعثر علينا طائرة ,وعلينا الآن أن نخرج من هنا مشيا على الأقدام؟".
أجاب وهو يبتسم بوضوح:
" أجل".
منتديات ليلاس
وتحولت بنظرها ألى الوادي المتشبح بنبات الناعمة وألى ما يحيط به من الجبال , وبدا الوادي مترامي الأطراف , وعجزت أن تتصور أنه في مكان ما وراء الأفق تمتد طريق عامة معبدة تسير عليها السيارات والشاحنات وتحف بجنباتها البنايات والمنازل المزودة بالماء والكهرباء وأجهزة تكييف الهواء , وأحست أن عالم لاس فيغاس المزدان بأنوار النيون هو مظهر الخيال في هذا القفر الرائع.
وبينما هي تسرح شعرها علقت أسنان المشط بعقدة في مؤخرة رأسها , وحاولت تخليصه منها وهي تصيح ألما , فرنت من رايلي نظرة لدى سماعه الصوت , وأجابت على السؤال الصامت في عينيه الخضراوين :
" لقد عششت العصافير في شعري".
وأستمرت تحاول فك عقدة شعرها وهي تراقب رايلي ينصب الفخ ليختبر فاعليته بعد أصلاحه , وفور أن ضغط عليه أنقطع حيث تم أصلاحه فجمعه رايلي وألقاه في النار .
وأعترضت ليا أذ رأت الفخ يشتعل:
" ألم يكن بأمكانك أصلاحه؟".
هز رأسه سلبا:
"لا بد أن تفي األأفخاخ الثلاثة الأخرى بالغرض".
ورمقها بنظرة جانبية , فلاحظ صراعها مع المشط ,وقال:
" هل تحتاجين ألى مساعدة؟".
تنهدت بيأس وهي تفرك موضع الألم في وسط رأسها , الناشىء عن شد شعرها تكرارا:
" أرجوك , فأنا لا أستطيع أن أرى ماذا أفعل , أنني لا أكاد ألمس موضع العقدة".
فنهض وسار نحوها , وأخذ المشط من يدها , وجثم بجانبها ,وفك عقدة شعرها بعناية فائقة , ثم سرح بقية الشعر حتى أنسدل على كتفيها , ورد المشط أليها , وطلبت في محاولة لأبقائه قربها:
" هلا سرحت بقية شعري لكي أتأكد من خلوه من عقد أخرى؟".
ألا أن صوتها المرتعش كشف عن رغبتها الخفية , فأجاب رايلي بعبوس وثابت :
" كلا , يا ليا ".
فألتفتت أليه ألفاتة جانبية , وقد عبرت عيناها البندقيتا اللون الواسعتان عن شوق شديد للمسته , ولم تفارق عيناه الخضراوان ثغرها الحلو , لكنه ما لبث أن حولهما ألى عينيها متمتما:
" تلعبين لعبة خطرة يا ليا".
بلعت ليا ريقها بصعوبة , ثم تحدثت بصوت بالغ الهدوء:
" أعرف ,ولكن........".
علق رايلي بوضوح:
"وضعنا يوفر من الأغراء ما يكفيك عناء المحاولة".
فحولت ليا نظرها وأخفضت ذقنها أعرابا عن الموافقة , ومع أن ذلك لم يرض رغبتها الجامحة , أعترفت:
" طبعا أنت على حق".
وأحتضنت يد سمراء ذقنها ووجنتيها , وألتمع الشوق في جفونه السوداء الكثيفة وهوى ألى وجهها المرفوع:
" كان لزاما علي أن أرحل هذا الصباح طلبا للنجدة".
ولامست وجنتها أصابعه فيما رفت جفونها بسرعة تأثرا بلمسته الساحرة:
" كنت سألحق بك".
" أعرف ذلك".
وأرتسمت فوق شفتيها أبتسامة رقيقة ,ومال برأسه نحوها بفعل قوة خارقة , فعانقها بينما غمرت ليا سعادة عارمة طارت بها ألى عالم رحب الأفاق , حيث أحست أن رايلي يحلق قربها.
وفجأة أستلقى رايلي على جنبه وهو يمسكها بأحد ذراعيه ويشدها ألى صدره , وهبطت من عالمها الروحاني ببطء شديد , وعجزت عن التكلم لبضع دقائق , ثم همست بصوت غلبته رعشة دافئة:
" رايلي".
أحتضن وجنتها بيده فيما وضع أبهامه على فمها محاولا أسكاتها وهو يهمس بصوت بدا فيه الصراع مع رغبته الجسدية:
" ليا , أصمتي".