8- النقاهة
بعد أن تناولا طعامهما أقترح رايلي أن تستريح ليا خلال ساعات الظهر وبعده , فحاولت , لأدراكها أهمية أستعادة قوتها , ألا أنها لم تفلح.
وأضطرمت النار في داخلها , وهي تراقبه يصلح فخا , لم تكن الحمى ناشئة عن عدوى , اللهم ألا أذا كان الحب عدوى , وأذا كان كذلك , فكم تمنت لو تنتقل هذه العدوى ألى رايلي.
كم مرة حاولت أن تغمض عينيها! لكنهما كانتا تفتحان لتلفتا ألى رايلي الذي أثار وجوده حواسها , وكم مرة تمنت لو يحتويها بين ذراعيه , فتبخرت من رأسها كل أفكار الأسترخاء والراحة.
لم تجد محاولاتها الأسترخاء نفعا , وأدركت خطر التجربة الكامن في وضعهما الراهن , فهما وحيدان في فردوس صغير , وقطف ثمرة التفاح النضرة الريانة عمل مغر , وهكذا ستغدو ليا أمرأة حقا .
نهضت ليا عن بساط العشب الرطب وهي تمرر يديها على وركيها بسرعة , وألتفت رايلي أليها متسائلا عن سر نهوضها , فقالت بشيء من اللامبالاة وهي تبرر قرارها:
" سأغسل ثيابي في الساقية , ويمكنني أن أغسل قميصك أذا أردت,فأنا لا أشعر بالأستلقاء من دون عمل".
وكان رايلي قد خلع قميصه وعلقه أمامه , فهز رأسه رأسه موافقا , ودفع بالقميص ألى ليا , ثم عاد يركز أنتباهه على الفخ المتلف:
"بأمكانك أن ترتدي أحدى القميصين اللتين حزمنا بهما الأمتعة فيما تغسلين الثياب".
منتديات ليلاس
وأكبّ على عمله حتى بدا كأنه لا يسمع قولها .
" أشكرك".
ووقفت ليا خلف أجمة كثيفة لتخلع ملابسها الخارجية وترتدي القميص , التي شابهت رداء طويلا غطى سترتها الداخلية ووصل ألى وسط جنبيها , ثم ثنت كميها وبدأت تغمس الملابس في الماء وتفركها حتى تنظف من دون الأستعانة بسائل مطهر.
ورأت أخيرا أن الملابس أصبحت نظيفة قدر ما ترغب به في هذه الظروف , ومسحت حبات العرق عن جبهتها وشفتيها بمؤخر يدها , ثم حملت الثياب المبتلة لتنشرها على شجيرات لفحتها الشمس عند طرف موقعهما الظليل.
وقالت في نفسها أن الشمس كانت ستجففها في دقائق , وفور خروجها من الظل أحرقتها أشعة الشمس اللاذعة , وتزايد تصبب العرق بين كفيها وهي تبسط الملابس على الشجيرات الصغيرة , وتطلعت ألى البركة , التي يزيد حجمها ثلاثة أضعاف عن حجم حوض الأستحمام , وتراجعت ألى الظل :
" رايلي , هل هناك خطر من أبتلال ذراعي؟".
أجاب دون أن يرفع نظره :
" لماذا؟ هل أبتلت؟".
ردت ليا بسرعة :
" كلا , ولكن أن لم يكن هناك خطر من أبتلالها , فأنا أشعر برغبة في الأستحمام".
" والأفضل أن ألقي نظرة عليها أولا".
ولما رفع رأسه , رمقها بنظرة أعجاب.
فأدارت ظهرها له لتخرج ذراعها اليسرى من الكم المطوي وتلف قميصها كالعباءة حولها.
وقف رايلي ليفحص جرحها وقد ألتمعت عيناه الخضراوان سخرية من تصرفها , ولمس جلدها بجفاء وتجرد , ثم نزع الضماد عنه .
وعلق وهو يرد الضماد ألى محله:
" هل تعلمين أن الجرح سيترك أثرا في موضعه؟".
هزت ليا كتفها :
" هذا لا يهم".
وحرك صدر رايلي البرونزي أهواء ليا المختلفة , فحاولت كبت رغباتها ودفعت رأسها ألى الوراء لتتأمل وجهه.
" هل هناك خطر من أبتلال الجرح؟".
وتسمر نظره على ثغرها لحظة أحست فيها أن قلبها توقف عن الخفقان , وأنها تميل نحوه توقا ألى لمساته , ورأت عقده الفيروزي والفضي يتألق على عنقه الأسمر , ألا أنه أبتعد عنها برشاقة قائلا :
" لا أظن ذلك , ولكن لو كنت مكانك لحاولت ألا تبتل الضمادة , فلا داعي للمجازفة في هذه المرحلة , والبركة , في أي حال , ليست عميقة , وأذا لم تزل قدمك , لن تتعبي في منع الضمادة من الأبتلال".
عقدت ليا جبينها بفضول:
" كيف يمكنك أن تقول أنها ليست عميقة ؟".
أكب رايلي على الفخ , وهو يقول بمكر:
" هل تذكرين أنني غطستك فيها مرة لأخفض درجة حرارتك ؟ كما أنني أستعملتها بضع مرات في الصباح الباكر قبل أن تستيقظي".
وزال تعجبها من نشاطه الدائم ومناعته ضد قسوة العيش , ولم تجد ضرورة للتعليق على تلك الحقيقة , وقالت بتردد وحياء:
" سأحرص على ألا تزل قدمي".
ثم نزلت ألى البركة , ونظرت ألى خلف لتجد رايلي يدير ظهره لها , ولم تعرف أذا كان ذلك عملا متعمدا أو غير مقصود أم نتيجة عدم أكتراثه , ثم خلعت قميصها ودخلت البركة مستعينة بغصن متدل لتحافظعلى توازنها , ولم ترتفع المياه فوقف خصرها حتى عند طرف البركة حيث تصل الماء ألى أقصى عمقها وتدنت درجة حرارة المياه هناك عن بقية البركة مما جعل ليا تظن أنها أقتربت من مدخل النبع.