6- رجل صلب
كانت القاعة الفاخرة مضاءة أضاءة خافتة ودينا تجلس في ركن مظلم لكنها تستطيع من مكانها رؤية الغرفة كلها وباب الدخول , وعلى مائدة أمامها كان شرابها قد ذاب الثلج فيه بدون أن تلمسه , نظرت الى ساعتها , بقي على موعد حضوره خمس دقائق أخرى ومع ذلك شعرت بأن فترة أنتظارها بلا نهاية.
كانت منذ ساعة تقريبا قد أتصلت تلفونيا بالأم شاندلر لتخبرها أنها ستتأخر , ولم تذكر السبب أو المكان الذي ستذهب اليه , وفكرت , أن بليك سيغضب , فليكن .... فليغضب ....... هكذا كان ردها الداخلي .....ستفكر فيما بعد في عواقب مقابلتها مع شت.منتدى ليلاس
وأندفع ضوء الشمس الباهر داخل الغرفة عندما أنفتح الباب , ونظرت دينا الى أعلى وهي تحبس أنفاسها وتتمنى أن يكون القادم في هذه المرة هو شت ,ولكن نظرة سريعة الى الرجل الطويل الذي دخل القاعة أصاب رئتيها بالشلل ,وتوقف قلبها عن الخفقان ثم أسرعت دقاته في فزع.
ورأت بليك أمامها داخل القاعة يحاول أن يكيّف بالضوء الخافت , لم يكن هناك مكان تستطيع دينا أن تجري اليه بدون أن تلفت الأنظار , وحاولت أن تنكمش حتى تكون صغيرة على أمل ألا يستطيع رؤيتها في هذا الركن المظلم من الغرفة ..... رأت دنا نظرته تتركز عليها قبل أن يسير في خطوات بطيئة نحو مائدتها , وعندما توقف بجانبها لم تستطع أن تنظر اليه , كانت أسنانها مطبقة بحدة حتى أنها آلمتها , ووضعت يديها حول الشراب الذي لم تكن قد لمسته منذ أن وضع أمامها , وبرغم الغضب الذي كان يعتمل بداخلها شعرت بشيء لا مفر منه أيضا , ولم يتكلم بليك وأنتظر أن تبدأه دينا بالكلام:
" تصور أنني أقابلك هنا ..... أنه عالم صغير .... أليس كذلك؟".
قالت ذلك بنبرة من الدهشة الساخرة من دون أن ترفع نظرها عن الكأس التي أمسكتها بيديها وقال موافقا:
" أنها مجرد صدفة!".
كان في عينيها الزرقاوين بريق لامع عندما نظرت اليه أخيرا , غرقت ملامحه في الظلام بحيث كان من المستحيل رؤية وجهه ,وبدأت حيوية وجوده المثيرة تفرض نفسها عليها برغم أنها حاولت أن تتجاهلها.
" كيف عرفت أنني هنا؟".
هكذا سألته وهي تعرف أن هناك ردا واحدا يستطيع أن يقدّمه وقدّمه بليك أذ قال :
" أخبرني شت ".
" لماذا؟".
خرجت الكلمة المتقطعة بدون شعور وكأنها توجهها الى الصديق الغائب الذي كان قد خان ثقتها.
" لأنني سألته".
" لقد وعدني ألا يخبرك".
كان صوتها مختنقا ضعيفا , أذ أيقنت أنها ضائعة وحيدة تماما في حالتها المضطربة.منتدى ليلاس
" هكذا أستنتجت ...........".
قال بليك ذلكهجة جافة.
وأشاحت دينا بوجهها لتتنفس وهي ترتجف, وقالت:
" لماذا أضطر الى أخبارك؟".
" أنني زوجك يا دينا , برغم أنك تحاولين نسيان هذا , ولي الحق في أن أعرف مكانك على الأقل".
كان صوته ناعما مثل الفولاذ الصلب المصقول , وكان مظهره هادئا حاسما , ولحظت أن يديه الكبيرتين طويتا في قبضتين الى جانبيه مما يدل على محاولة السيطرة على غضبه , كان يشعر بنوبة غضب عارمة لأن زوجته رتبت لتقابل رجلا آخر ,وشعرت دينا بالخوف ولكنه كان الخوف الذي يثير الشجاعة لتتحداه ,وقالت تتهمه:
" كنت في مكتب شت عندما أتصلت به تلفونيا , أليس كذلك؟".
" نعم , وأستطعت أن أعرف من الذنب البادي على وجهه أنه كان يتكلم معك , وبعد ذلك لم أجد صعوبة في أكتشاف ما يحدث".
" ومن الذي أستطيع أن ألجأ اليه؟ كنت بحاجة اليه".
ومثل سلك ملفوف أنفك فجأة بليك ووضع يديه على الطاولة وكانت ذراعاه جامدتين ,وفي ضوء الشموع الخافت بدت ملامحه أشبه بقناع محفور من الخشب لرمز وثني عنيف قاس مستبد على نحو خطير ! وسألها:
" متى تنزعين من ذهنك الصغير الأعمى هذا , أنك لم تحتاجي اليه أطلاقا ؟".
كان قلبها يخفق خوفا وتنفست في هلع وقالت:
" أنا لا أعرفك ,أنك رجل غريب , وتخيفني يا بليك !".
" معنى هذا أننا نحن الأثنين خائفان لأنني أخاف من نفسي".
وأستقام فجأة وقال بصبر نافذ:
" هيا نخلاج من هنا قبل أن أرتكب شيئا أندم عليه !".
وأزاحت دينا الحذر بعيدا وقالت معترضة:
" لا أريد أن أذهب معك الى أي مكان!".
" أعرف ذلك".
وقبضت يده على ذراعها ليرفعها متغلبا على مقاومتها الضعيفة , وعندما نهضت واقفة ظلت أصابعه تحيط بذراعها حتى تبقى الى جانبه.
وقال بليك يذكرها بمحتويات الكأس التي لم تلمسها على المائدة:
" هل دفعت ثمن الشراب؟".
وأستطاعت أن تقول وهي ترتجف :
" لا , لم أدفع".
وأبتعد عنها وأخرج من جيبه مبلغا وضعه فوق المائدة ومزق الفاتورة , ثم أحاط خصرها بذراعه الفولاذية ليخرج معها من القاعة وهو يتجاهل نظرات الفضول , وفي صمت تام سار معها حتى سيارة البورش البيضاء , وفتح الباب ودفعها لتجلس خلف عجلة القيادة , وبعد ذلك صفق الباب وأتكأ على السيارة وقد بدت الكآبة الشديدة على فمه وقال محذرا:
" أن سيارتي ستكون ملتصقة بمؤخرة سيارتك وتتبعك أيت=نما ذهبت , ولذلك لا تحاولي أن تنعطفي الى أي أتجاه في الطريق الى البيت تا دينا".منتدى ليلاس
وقبل أن تستطيع دينا أن تتلفظ بأي رد , سار نحو سيارته التي كانت واقفة في الصف التالي من مكان وقوف السيارات , وأدارت دينا سيارتها بحدو وقفزت السيارة وكأنها تبدأ سباقا , وكانت الحركة تدل على التحدي العاجز!".