1- العروس الأرملة
كان الجو صافيا والقمر فوق رود أيلاند جديدا , ولكن ذهنها خيّمت عليه شبكة من العناكب ......... وبدت دينا شاندلر لا تعرف كيف تتخلص من تشوش أفكارها , وأغلقت أذنيها عن الأصوات التي كانت تحتفل بهدوء في بقية أرجاء المنزل وحملقت عبر النافذة.
سرت قشعريرة في جسمها وأنسلت عيناها الزرقاوان الى ذراعيها اللتين شبكتهما أمامها....... لعل القشعريرة كانت بسبب ثقل المعدن الثمين حول أصبعها ,أبتعدت دينا عن النافذة , وجالت بنظراتها القلقة في أنحاء المكتبة ,ورأت أن كل شيء مألوف , الرفوف المليئة بالكتب من الأرض حتى السقف , والآريكة مغطاة بالقطيفة أمام المدفأة وعلى جانبيها كرسيان ,وفي أحد أركان الغرفة مكتب أنبق منظم مصنوع من خشب الماهوغاني.
أنفتح باب المكتبة وألتفتت دينا ,وتألق شعرها في الضوء الخافت ,كان لونه ذهبيا أفتح من الخاتم حول أصبعها.
وأغلق شت ستانتون الباب ,وأبتسم وهو يتقدم نحوها برغم بريق الحيرة في عينيه وتمتم قائلا:
" أذا أنت هنا؟".
وأومأت دينا برأسها وقالت:
"نعم".
ولم تدرك التنهيدة في صوتها أو الأبتسامة المغتصبة التي بدت على شفتيها, وعندما أقترب منها رمقته بنظرة فاحصة ,شعره مثل شعرها أشقر , يتهدل على جبهته , ويغري الأصابع دائما بأن تزيحه الى مكانه , وعيناه زرقاوان باهتتان على عكس لون عينيها المتألق .
منتدى ليلاس
كان في السادسة والثلاثين من عمره ,ويكبرها بأثنتي عشر عاما , ومن عمر بليك , ولكن يبدو عليه جو صبياني هو جزء من سحره , والواقع أن دينا قابلت شت لأول مرة عندما كان في صحبة بليك , ونسجت العناكب خيوطها حول تلك الفكرة لتخفيها , كان شت نحيلا وقامته أطول منها بعدة بوصات فقط.
وتوقف أمامها وراحت نظراته الفاحصة تدرس وجهها الذي بدا بدون تعبير ....... وعندما أستقرت يداه على كتفيها لم تستجب للمسته ,قال وهو لا يزال يحدق في وجهها :
" ماذا تفعلين هنا؟".
" كنت أفكر".
" هذا ممنوع!".
قال هذا , ثم أحاطها بذراعيه وأستسلمت لعناقه , لم لا ؟ كانت كتفه مكانا يستقر عليها رأسها طوال السنتين والنصف الماضية , وأغمضت عينيها فقال هو يتظاهر بتأنيبها:
" كان يجب أن تكوني في غرفة الجلوس , تحتفلين بصخب مع الآخرين".
وضحكت دينا بنعومة , والت:
" أنهم لا يحتفلون بصخب , لا يفعلون أي شيء يصخب سواء كان فرحا أو حزنا".
" نعم ,ولكن حتى الحفل المتحفظ يحتاج الى وجود الخطيبين وهما أنت وأنا , وليس أنا فقط ".
وتنهدت وقالت:
"أعرف ".
لم تكن كتفه مريحة كما كانت من قبل , وتخلصت دينا من عناقه وشعرت بأعصابها تتوتر ثانية , أذ لم تتخلص من أحساسها بالضيق والأرتباك , أمتدت نظرتها المضطربة الى ظلام الليل عبر النافذة وكأنها تتوقع أن تجد الجواب هناك.
وأدارت له ظهرها , فقال:
" أسترخي يا حبيبتي".
" أن هذا رغما عني ....... لا أعرف أذا كنت أتصرف التصرف السليم".
وبدا العبوس على جبينها وقال شت:
" بالطبع تتصرفين التصرف السليم".
" حقا؟".
وأبتسمت نصف أبتسامة تنم عن الشك والسخرية من النفس .
ثم أستطردت :
" لا أعرف كيف تركتك تستدرجني الى هذه الخطبة ".
وضحك شت قائلا :
" أنا أستدرجتك؟ أنك تتحدثين وكأنني لويت ذراعك , ولا يمكن أن أفكر في هذا , فأنت أجمل من أن أمسّك بأي أذى !".
" يا لك من متملق!".
وشعرت دينا بأنها كبرت أكثر من سنها , وقال:
" وقد حصلت عليها بهذا!".
" أعرف أنني وافقت بأرادتي على هذه الخطبة".
وأضاف شت:
" بأرادتك ولكن بتردد".
" لم أكن متأكدة ولا أعرف حتى الآن أذا كنت متأكدة أم لا".
" لم أدفعك الى أتخاذ قرار سريع , لقد منحتك كل الوقت الذي أردته لأنني أفهم موقفك , ولن يتم الزفاف حتى تحددي التاريخ , أن أتفاقنا لا يزيد كثيرا عن خطبة تجريية يا دينا ".
" أعرف".
منتدى ليلاس
كان صوت دينا بلا عاطفة وأدارها شت لتواجهه وقال:
" لقد كنت أفضل صديق لبليك".
وفكرت دينا نعم , كان الساعد الأيمن لبليك , والآن أصبح ساعدها الأيمن , يؤيد قرارها ويدفع الأبتسامة الى شفتيها عندما تهبط روحها المعنوية وتثبط عزيمتها.
وأستمر يقول:
" ولذلك أعرف تماما شخصية زوجك , وأنا لا أحاول أن آخذ مكانه ,كما لا أريدك أن تخلعي خاتمه من أصبعك".
ودفعت ملاحظته نظراتها الى خاتم الماس والخاتم الذهبي حول أصبع يدها اليسرى , وأضيف اليهما خاتم ثالث من الماس كان خاتم خطبتها لشت .
ووضع يده تحت ذقنها برقة وقال:
" أن كل ما أتمناه أن أستطيع بمزيد من الصبر والمثابرة أن أحفر لنفسي مكانا في قلبك".
وقالت دينا:
" أن لك مكانا يا شت , فبدونك ماذا كنت أفعل منذ فقدت بليك , عندما لم نعرف أذا كان حيا أو ميتا , ثم عندما أبلغونا أنه قتل".
وأسكت بقية كلماتها بعناقه القوي وهو يقول:
"كان هذا في الماضي , وعليك أن تنسيه".
" لا أستطيع , ما زلت أذكر الطريقة التي تكلمت بها مع بليك , قبل أن يرحل ويقوم بتلك الرحلة في أميركا الجنوبية , كان يريدني أن أذهب معه الى المطار ولكنني رفضت".
وتنهدت بغضب وندم وأستطردت تقول:
" كانت مشاجراتنا تدور دائما حول أشياء تافهة , أشياء تبدو سخيفة جدا الآن.......".
ورفع شت رأسه لينظر الى بريق الأسى في عينيه وقال :
" كانت مشاجرات القوي مع القوي , أنني متحيز للنساء قويات العزيمة ".
وأغاظتها كلماته فأثارت الأبتسامة التي كان يريدها , وقالت:
"أعتقد أنه يتعيّن عليّ أن أعترف بذلك".
وبدا الشرر في نظرته وقال:
" وأنا أحبك لكونك قوية يا دينا".
ثم عانقها مرة أخرى , وأستسلمت لعاطفته وأستجابت لها بنفس الحرارة شيئا فشيئا , لم يحدث أبدا أن طلب منها شت أكثر مما تريد أن تعطيه كان تفهمه المتحفظ يزيد من مكانته لديها ويجعل قلبها مفعما بسعادة هادئة.