2- شبح الماضي
أستيقظت دينا صباح يوم السبت مع بزوغ الشمس ولم تستطع العودة الى النوم , وأخيرا توقفت عن المحاولة فنهضت من فراشها , وأرتدت بنطلونا وبلوزة بيضاء وفوقها سترة صوفية.
كانت أم بليك وديدر المشرفة على البيت ,وهما الشخصان الآخران في المنزل , لا تزالان نائمتين , رتبت دينا الغرفة بسرعة وغطت السرير , كانت الملابس التي أرتدتها في الليلة السابقة , ملقاة فوق وسادة الأريكة الصغيرة , وعلّقتها دينا وطوت أيشارب العنق ووضعته في مكانه في الدرج ..... وفي داخله لمعت الحافة المذهبة لأطار صورة مقلوبة على وجهها تخفي بليك , كانت فوق الطاولة الصغيرة المجاورة للسرير حتى اليوم الذي أعطاها فيه شيت خاتم الخطبة , أما الآن فهي مودعة في الدرج , لأنها صورة الماضي ولا صلة لها بالحاضر , وأغلقت دينا الدرج ونظرت حولها في الغرفة , وبدا كل شيء مرتبا .
بعد أختفاء بليك منذ عامين ونصف لم يكن من الحكمة أن تعيش كل من دينا وأمه حياة مستقلة في منزل منفصل , خاصة عندما بدأت الأيام تمتد الى أسابيع ثم شهور ,وفي نهاية الأمر أجّرت دينا الشقة التي أقامت فيها مع بليك وسط المدينة , وأنتقلت الى الضواحي لتقيم مع أمه , أعتقدت أن هذا يهوّن عليها وحدتها , ويروّدها بمخرج لمخاوفها الداخلية , ولكن هذا لم يحدث في الواقع , كانت دينا تقضي الجزء الأكبر من وقتها تسري عن الأم شاندلر , كما كانت تدعو حماتها , ولم تتلق سوى عزاء قليل مقابل ذلك , ومع هذا كان الترتيب مناسبا ضمن لها مكانا للنوم والأكل , وغيرها يتولّى القيام بكل أعمال البيت والطهو , وبعد أن أصبحت تكرّمعظم وقتها وطاقتها لأدارة الشركة أصبح لهذا الترتيب قيمة كبيرة هامة.منتدى ليلاس
خرجت دينا من البيت في الفجر على أطراف أصابعها وهي تتوق الى عزلة منزلها الخاص بها , حيث تستطيع أن تتسلل الى المطبخ وتعد أفطارا مبكرا في الصباح بدون أن تشعر أنها تتطفل , وعندما أغلقت الباب وأتجهت الى الدرج المؤدي الى المدخل حيث وقفت سيارتها البورش البيضاء , رن جرس التلفون عاليا في صمت الصباح المبكر , وتوقفت دينا وبدأـ تبحث عن كيس نقودها الكبير عن مفتاح المنزل , لم تكن تستخدمه ألا نادرا , وقبل أن تجده توقف رنين جرس التلفون وأنتظرت عدة دقائق اترى أذا كان سيرن ثانية , وفكرت دينا ....لا بد أن شخصا في المنزل رد عليه أو لعل المتحدث قرر الأتصال في وقت لاحق من الصباح.....
وهبطت الدرج بسرعة وأتجهت نحو سيارة البورس , وأغلقت غطاءها قبل أن تجلس الى مقعد القيادة وتدير المحرك , وأنطلقت السيارة في الشوارع الهادئة , وهزت دينا رأسها وتخللت بأصابعها الباردة خصلات شعرها الذهبي الحريري........ وضاقت عيناها الزرقاوان في تصميم بينما أنعطفت بالسيارة بعيدا عن الشارع الذي يؤدي الى مبنى الالشركة , وأتجهت نحو عزلة شاطىء على المحيط في الصباح الباكر.
وجلست دينا على قطعة من الخشب جرفتها المياه , وأخذت تراقب نهاية شروق الشمس على رود أيلاند , هذه أحدى المرات التي تفكر فيها في أشياء كثيرة وهي جالسة ولكنها لا تستطيع أن تتذكر شيئا واحدا منها عندما تنهض وتغادر المكان.
كانت الساعة التاسعة صباحا وهو الوقت الذي تصل فيه عادة الى المكتب لتعمل نصف يوم , ولكن دينا لم تستطع أن تفكر في أمر واحد يعتبر عاجلا ألا الأمر الذي أتصل بها بشأنه محامي
العائلة في بداية الأسبوع.
وعادت الى سيارتها البورش التي تركتها بجلنب الشاطىء وأتجهت الى أقرب تلفون حيث توقفت , وطلبت المكتب وقالت:
"آمي ........ هذه السيدة شاندلر , لن آتي الى المكتب اليوم ولكن عندك بعض الرسائل أريد أن تكتبيها على الآلة الكاتبة هذا الصباح".
وأجابت سكرتيرتها الشابة:
" لقد بدأت كتابتها بالفعل".منتدى ليلاس
" رائع , عندما تنتهين م كتابتها أتركيها على مكتبك ويمكنك الأنصراف , أراك يوم الأثنين".
ثم وضعت السماعة في مكانها .
وعادت الى السيارة وأستقلتها متجهة الى حيث أرسى بليك زورقه الشراعي.
وقفزت دينا من السيارة وأبتسمت للرجل الذي لم يكن قد تغيّر منذ حوالي ثلاث سنوات , وقالت:
" صباح الخير يا كابتن تيت".
وأنتظرت ليرد على التحية بصوته البطيء ولهجو نيو أنغلاند المتميزة , كان شخصية عجيبة ويعتز بذلك.
وأعتدل بكرسيه وأزاح بيده الكبيرة قبعته من فوق رأسه , وحملق فيها بعينيه الرماديتين قبل أن يتعرف عليها فنهض واقفا وقال:
" كيف حالك يا سيدة شاندلر؟".
ردت دينا :
" لم أرك منذ فترة طويلة جدا , كيف حالك؟".
" بخير يا سيدة شاندلر".