5-ابتسامة من كريستال
عندما خرج مارشيللو وسوزان من بين الأشجار , وجدا أنفسهما على فسحة خضراء , عند نهاية الشلال , الماء ينبثق من حفرة ضيقة من سفح الصخرة المغطاة بالعشب والخنشار ويتساقط على علو سبعة أمتار تقريبا , أكد لها مارشيللو وجود عدد كبير من الأنهار الجوفية , تظهر أحيانا الى الخارج , باردة ونقية كحجارة الكريستال , ويقفز الشلال في بركة واسعة عرضها أكثر من عشرة أمتار قبل أن يتصل بالنهر الواقع في قعر الوادي.
جلست سوزان على طرف البركة ووضعت قدميها العاريتين في الماء وهتفت وهي تنظر حولها مسحورة:
" يا لهذا الجمال! لم أر مثل هذا المكان من قبل!".
" أنني مسرور لأن المكان يعجبك , وكما ترين , في أمكاننا أن نسبح في البركة , أنها عميقة والماء بارد , لكن ليس هناك أمواج وبالتالي ليس هناك خطر".
نهضت أيلينا عن العشب وسألت والدها:
" أيمكنني أن أسبح الآن , يا أبي؟".
" ثوب السباحة داخل الحقيبة الجلدية , أذهبي وراء الشجرة البعيدة وأرتديه وخذي الآنسة هانت معك".
" نعم يا أبي".
فتشت ايلينا في الحقيبة الجلدية وأخرجت ثوب السباحة الأسود , وكبقية ملابسها , كان هذا الثوب قديما , وشعرت سوزان ببعض الأنزعاج لأن ثوبها سيبدو مثيرا بعض الشيء".
ولاحظ مارشيللو تردد سوزان في اللحاق بالفتاة ,فأنحنى ليأخذ حقيبتها عن الأرض ومدّها اليها قائلا:
" جلبت معك المايوه ,يا آنسة , أليس كذلك".
هزت رأسها ايجابا , فسألها:
" ألا تريدين أن تسبحي؟".
" وأنت؟".
" طبعا".
وبدأ في الحال يفك أزرار قميصه فنادت ايلينا الفارغة الصبر:
" تعالي , يا آنسة , بسرعة!".
لم تأخذا وقتا طويلا لتغيير ملابسهما , ولما رأت ايلينا سوزان في ثوبها , قالت في أستغراب وأعجاب:
" آه , كم يليق بك ! لكن عمتي لويزا لن تسمح لي أبدا بأرتداء واحد مثله!".
منتدى ليلاس
سألتها سوزان:
" وهل عمتك هي التي تختار لك ملابسك؟".
" نعم , ليس لدى أمي الوقت لتذهب معي لشراء ملابسي".
هذا يؤكد عدم أهتمام صوفيا بأبنتها الوحيدة مما أثار الحزن في قلب سوزان.
ولما خرج من وراء الشجرة ,وجدت مارشيللو جالسا فوق صخرة على طرف البركة , ولما رأت في أعلى ظهره الأسمر الكدمات , شعرت برغبة مفاجئة في أن تضع يدها على كتفه.
ولما أقتربت الفتاتان منه , وقف ليري ايلينا الضفدعة التي وجدها في مستنقع صغير في قعر الصخرة , أسرعت الفتاة , وبينما كانت تتفحص الحيوان كان مارشيللو ينظر الى سوزان مليا , كان يتفرّس فيها من رأسها حتى قدميها في وقاحة وبساطة , بماذا يفكر , يا ترى؟ تساءلت سوزان في أنزعاج , ومن حسن حظها , أدار عينيه ليرد على سؤال طرحته ايلينا عليه.
كانت سوزان تريد أيضا أن تتفحص الحيوان الصغير , لكنها لا تحب الفضول , وراحت تضع قدميها في المياه الباردة , وبعض القطرات الخفيفة تنبثق من الشلال نحو كتفيها العاريتين , فأرتعشت بفعل الملامسة المنعشة.
وبعدما تفحصت ايلينا الضفدعة في قعر الصخرة أقتربت من سوزان وقالت:
" المياه باردة جدا , يا آنسة".
ثم غطست في الماء , وبعد ثوان خرجت من الماء وهي تتمتع بقوة وفرح.
وبينما كانت سوزان جامدة وحالمة , فلم تلاحظ أن مارشيللو أقترب منها وقال:
" أنها تسبح كالسمكة , ما رأيك؟".
أنتفضت لدى سماعها صوته القريب وألتفتت وقالت:
" نعم , يبدو أنها تحب الماء كثيرا".
سألها بأبتسامة ساخرة:
"وأنت , هل تحبين الماء؟".
وفي الحال حولت نظرها عنه أذ كانت عاجزة عن رؤية الكدمات , لكنه أجبرها على أن تنظر اليه من جديد أذ قال في لطف:
" لماذا لا تجرؤين على النظر الى الكدمات في وجهي وعنقي وظهري , هل تخافين؟".
" أنني أؤكد لك أن لا شيء يؤثر في".
" صحيح؟".
وحدقت في الكدمات البشعة ثم قررت أن تسأله:
" ألا تريد أن تكلمني عن الحادث؟".
رفع ذقنها بيده وقال:
" ليس اليوم ".
" مرة أخرى أذن؟".
" أذا كنت تريدين ذلك".
أحست بنوع من الغثيان وهي ترى عيني رفيقها تحدقان بقوة في عينها , وتمنت لو تضيع في أعماق عينيه ولو كان في أمكانها أن تضمه الى ذراعيها وتشعر بحرارته القريبة.