كانت تحب كثيرا الخروج مع بيترو , وكلما تتعرف اليه أكثر , تشعر بأنها تستحسن رفقته غير المتطلبة , ولطفه , ورقته وروح النكتة التي يتمتع بها , وكان يقول لها , أن حبه للفنون وخاصة للرسم والنحت عائد لحبه للأمور الجميلة , ولفت أنتباهها أن بيترو على معرفة واسعة بثروات بلاده الفنية , لم يخبرها كثيرا عن عائلته , ولا يبدو غنيا , ملابسه نظيفة وعادية ,وينبع من شخصيته شعور يناقض مظهره الخارجي , وطالما أرادت سوزان أن توجه اليه الأسئلة حول ذلك , لكنها فضلت كبت رغبتها هذه , ليس بيترو سوى صديق وعاطفتها أتجاهه لا تذهب أبعد من ذلك.
وخلال بضعة أسابيع , أزدادت معرفتهما , فأخبرته سوزان عن طلاق والديها ثم وفاة والدها , في حادث سيارة , وتزوجت والدتها من جديد , وزواجها الثاني لم يكن موفقا كالزواج الأول , ومن وقت الى آخر , كانت تأتي والدتها من مدينة بريستول لتمضي يومها في لندن حيث كانتا تتناولان العشاء معا , لكن الرحلات التي قامت بها سوزان والأيام العديدة التي أمضتها خارج البلاد أدت الى أيجاد هوة بينهما , واليوم تعيشان حياة مختلفة ,ولم يعد بينهما أحاديث تتبادلانها ولا أشياء تتقاسمانها.
عندما أخبرها بيترو عن رغبته في العودة الى ايطاليا خلال عطلة الفصح لقضاء عشرة أيام , وأقترح عليها أن ترافقه , أدركت أنها ترغب في تلبية دعوته , أذا كانت والدة بيترو تشبه ابنها , فلا شك أنها أمرأة لطية , فضلا عن أنها في أجازة لمدة أربعة أيام.
لكنها عارضت في بادىء الأمر بحجة أنها لا تعرف بيترو الا قليلا ولا يمكنها قبول دعوته , لكن بيترو أصر عليها مقترحا أن يبعث برسالة الى والدته طالبا منها أن تدعو سوزان بنفسها ,لكن الفتاة أستمرت في الرفض , لأنها ليست من نوع النساء اللواتي يقبلن بسهولة قضاء بضعة أيام مع شاب بالكاد تعرفه.
منتدى ليلاس
لكن القدر تدخل من جديد , في شكل أنسان تركي , يدعة عبد الفايز , بعد مرور ثلاثة أيام على دعوة بيترو أستدعى مدير الفندق سوزان ليعلمها عن رغبة أحد زبائنه , السيد عبد الفايز بالذات.
ومرة أخرى فوجئت الفتاة بعناد ورباطة جأش هذا الرجل التركي , أعتقدت أنه لن يتشجع بعد الآن ويصر على رؤيتها , ومن دون أن تأخذ وقتها في التفكير , أجابت مديرها بأنها آسفة لرفضها العرض , لأنها سبق أن أعدت برنامجا يقضي بأن تمضي عيد الفصح في أيطاليا عند أصدقائها.
ولدهشتها بدا السيد نورتون مرتاحا لهذا الجواب , هل هو على علم بما يجري تحت سقف فندقه؟ وبأبتسامة لطيفة أكد لها أنها غير مضطرة الى تغيير برنامجها, وتمنى لها قضاء عطلة سعيدة في أيطاليا .
وفرح بيترو لموافقة سوزان بالمجيء الى أيطاليا , لكنه غضب في شدة عندما طلبت منه أن يحجز لها غرفة في فندق قريب من منزله , فأحتج في لغة أنكليزية ضعيفة قائلا:
" كاسيل فالكونيه قرية صغيرة ليس فيها فنادق , أنما هناك مكان عائلي ينزل فيه السياح العابرون , ومن المستحيل أن أسمح لك بالنزول هناك لأن أهله أهلي , ويعتبرون ذلك أهانة لهم".
لم تصر سوزان , وأتفقا على الذهاب يوم الخميس على أن تعود سوزان لأستئناف عملها يوم الثلاثاء المقبل , والمسألة ليست سوى خمسة أيام فحسب.
ولحظة أقلاع الطائرة شعرت سوزان فجأة بالأنزعاج لهذا الوضع الغامض , لقد قال لها بيترو أنه كتب لوالدته وأعلمها بالأمر , وكم تمنت لو كان في أمكانها أن تعرف محتوى الرسالة.
سيارة بيترو الصغيرة كانت في أنتظارهما في المطار ,وبعد المرور بالجمرك , أصبحا في الهواء الطلق , السماء غائمة لكن أنعكاس الضوء قوي , فأضطرت سوزان لوضع نظارتها على عينيها , ولدى رؤيتها المسافرين يتجهون لأخذ الباص , ندمت سوزان لأنها ليست ذهبة مثلهم الى البندقية حيث كان في أمكانها النزول في فندق, من دون أن تجابه عائلة بيترو.