أستيقظت لدى سماعها طرقات على الباب , وخلال لحظات عديدة , وجدت صعوبة في أستعادة وعيها , لكن لدى رؤيتها باب الشرفة مفتوحا , أستردت وعيها وقالت وهي تنتصب في سريرها:
" أدخل!".
دخلت الخادمة لوسيا , حاملة صينية فضية , وراحت تبتسم بصدق وتقول بالأيطالية مقتربة من السرير :
" صباح الخير , يا آنسة".
" صباح الخير , يا لوسيا , كم الساعة".
قالت وهي تضع الصينية على ركبتي الفتاة :
" العاشرة والنصف , يا آنسة , هل نمت جيدا؟".
"يا ألهي! أن الوقت متأخر ! لم يسبق أن أستيقت متأخرة ! ". لكنها تذكرت أنها نامت بعد الساعة الثانية صباحا.
" آسفة لأزعاجك , يا لوسيا , فقد أضطررت الى أحضار فطور الصباح الى الغرفة".
" ليس هناك من أزعاج , يا آنسة , قال لي بيترو لا بد أن تكون الرحلة أرهقتك".
وبينما كانت لوسيا تتكلم ,كانت سوزان تتفحص محتوى الصينية , ركوة القهوة الفضية , وأبريق عصير الليمون الطازج , والخبز الساخن والزبدة بشكل أصفاد , كلها موضوعة بأناقة فوق شرشف مطرز , وقرب الصحن وضعت وردة بيضاء رائعة في أناء صغير.
تناولت الزهرة وأستنشقت عطرها الناعم , يا لذوق بيترو الرفيع!
أخيرا قالت:
" ما أجمل هذه الزهرة , أشكريه عني من فضلك".
قالت لوسيا:
" قطفها الكونت بنفسه من حديقة القصر , صباح هذا اليوم , وهو يقدمها اليك في فرح".
رمت سوزان الوردة جانبا كأن الشوكة شكت بيدها , لا يحق لمارشيللو دي فالكونيه أن يتصرف هكذا واضعا سوزان في موقف حرج... ألا .... ألا أذا كان قد لمحها تلك الليلة على الشرفة ولم يجد غير هذه الطريقة ليعلمها بالأمر.
قالت سوزان رافعة أبريق العصير في يد مرتجفة:
" صحيح , أذن , أشكرك, و.... أذا رأيت بيترو , قولي له أنني سأكون مستعدة قريبا".
" لا تقلقي , يا آنسة , أصطحب بيترو والدته الى القرية , والأحتفال لن ينتهي ألا بعد وقت غير قصير".
" أين الكونتيسة دي فالكونيه".
هزت لوسيا كتفيها قائلة:
"لا تستيق ألا في ساعة متأخرة من النهار , لا تستعجلي , يا آنسة , أنت هنا لقضاء عطلة ,أليس كذلك ؟ الى اللقاء , يا آنسة".
أغلقت الباب وراءها , وبعد أن شربت عصير البرتقال , سكبت سوزان لنفسها فنجان قهوة وراحت تتأمل الوردة الموضوعة على الصينية , لم يسبق أن رأت وردة بهذا الجمال الكامل , ولا أن تنشقت عطرا لذيذا كهذا.... وتساءلت : لماذا قدّم الكونت هذه الوردة اليها وشعرت بقلبها ينبض في سرعة وهي تتذكر مارشيللو دي فالكونيه.
وضعت الصينية على الطاولة قرب السرير ونهضت وتوجهت ال الباب الزجاجي الذي يطل على الشرفة , هل كان ما رأته أمس حلما؟ هل شاهدت حقا مارشيللو وهو يمشي من دون عكازيه؟
ورغم تشويش أفكارها , كانت تتأمل بسحر, المنظر أمامها , من وراء جدار القصر يطل الجبل وأشجار الصنوبر والقمم التي ما يزال الثلج يكسوها , وعن قريب , لاحظت وجود شلال ينحدر على الصخور ويصب في مجرى المياه , وفي الوادي أزهار الوزال الصفراء تضيف لمعانا على العشب الأخضر في المروج.
ووسط هذا المنظر الساحر يبدو القصر وكأنه ينام تحت أشعة الشمس التي تدفىء حجارة جدرانه , والماء يسيل من السبيل مثل باقة قطرات ملونة.
دخلت سوزان الى غرفتها , ثم دخلت الى غرفة الحمام من باب بشكل قبة , أنها من الرخام الأبيض , بنيت حديثا ولا تبدو غريبة وسط هذا الأطار القديم.
وبعد أن أخذت حماما كاملا, راحت توضب محتوى حقائبها , وتعلق فساتينها في الخزانة , فالبارحة كانت متعبة وأكتفت بأفراغ حقيبتها من الأشياء الدقيقة والسريعة العطب واضعة أياها على الكرسي , وبعدما أنتهت من تعليق ملابسها في الخزانة الخشبية المنحوتة , راحت تفكر بما سترتديه , ولو كانت في ظروف مغايرة لأرتدت سروالا وقميصا عاديا , لكن في قصر فالكونيه , تبدو هذه الملابس غير لائقة , لأن سوزان كانت متأكدة من أن السيدة فيتاليه لم تستحسن بدلتها الحمراء التي أرتدتها بالأمس.
أختارت أن ترتدي قميصا أخضر وتنورة من القطن المعرق التي تظهر نحافة ساقيها الطويلتين , ولم تضع الجوارب لأن الطقس حار , وأنتعلت صندلا من الفلين , ثم جلست أمام طاولة الزينة تسرح شعرها , أخيرا وضعت في عنقها سلسلة ذهبية وزينت وجهها .
وقبل أن تغادر الغرفة , أقتربت من السرير ونرت من جديد الى الوردة البيضاء المتروكة على الشرشف المطرز , قامت بحركة لأخذها.... ثم غيّرت رأيها , مهما كانت لعبة مارشيللو دي فالكونيه , فهي لا تريد أن تشاركه هذه اللعبة , فتركت الوردة مكانها لتعود الى صاحبها , ومع ذلك كانت سوزان نضطربة لأن مارشيللو , بهذه الحركة البسيطة , نجح في أن يفقد سوزان برودة أعصابها التي كانت تتحلى بها , خاصة أمام ألحاح عبد الفايز المستمر , وراح قلبها ينبض بسرعة ,وبدأت تلوم نفسها لأنها علّقت أهمية كبيرة على هذا الولاء من جانب رجل أيطالي عاطفي.