أمضت سوزان ليلة طويلة , لا نهاية لها , ستتذكرها دائما , مدى الحياة , لم تتوقف عن البكاء لحظة واحدة , وشعرت ببشاعة الوحدة , أمام هذا القضاء واقدر , لأنها لم تجد أحدا في أمكانها أن تبوح له بهمومها.
ماذا يمكن أن تفعل ؟ لا شيء , مارشيللو مات ولا أحد يمكن أن يعيده اليها ......... أنه القدر.
وفي الصباح , علمت بعد سماعها الأخبار المفصلة , أن عائلات الضحايا سينقلون الى مكان الحادث للتعرف على ذويهم , وللضحايا الذين لا يريد أهاليهم أعادتهم الى بلادهم تم تحضير الجنازات والدفن في مكان الحادث.
أما مارشيللو , فسيدفن بلا شك في كاسيل فالكونيه , في مدافن العائلة , وفكرت لحظة بالذهاب الى كاسيل فالكونيه , لكن أمام فكرة المجابهة مع صوفيا , أقلعت عن هذا التصرف , ثم , أذا عرف كارلو بالحادث , فسيتخلى من دون شك عن الشهادة ضدهما في المحكمة , أذن لماذا التظاهر والأساءة الى سعادة ايلينا؟
وبعد هذه الليلة السوداء , توجهت سوزان في الصباح الى مكتب عملها , فوجدها مالكون نورتن شاحبة ومنهارة , فقال بأستغراب:
" يا ألهي , ماذا حدث لك , يا سوزان ؟ هل الأمر خطير؟".
شعرت بأرتياح وهي تقول بصوت متقطع:
" أحد أصدقائي قتل أمس في حادث الطائرة المتوجهة الى البندقية".
قال بلطف كبير :
" آه , يا سوزان , يا لهذا الخبر الشنيع! لو أتصلت بي لكنت طلبت منك ألا تأتي الى العمل اليوم ".
" فكرت بالأمر...... لكنني تصورت أنه من الأفضل لي أن أرى الناس وألا أبقى وحيدة في المنزل ,لكن , معك كل الحق , فلست الآن في حالة جيدة للقيام بأي عمل".
منتدى ليلاس
تقدم نورتن منها ووضع يده على كتفها وقال في محبة صادقة :
" لا شك أنك تكنين لصديقك حبا كبيرا , أنا آسف جدا".
تأثرت سوزان من كلامه , ولم تكن قادرة على الرد , فأكتفت بأنحناءة من رأسها , وفي حركة سريعة , ساعدها على الوقوف وحمل حقيبة يدها ووضعها بحزم بين يديها وقال:
" هل تعرفين ما يجب فعله؟ عليك أن تأخذي بضعة أيام عطلة.........".
أحتجت على عرضه فقال:
" بلى , بلى , أنا مصر على ما أقوله , أذهبي الى بريستول وقومي بزيارة والدتك , أنني أكيد أنها ستسر لرؤيتك ".
هزت سوزان رأسها في بطء وقالت:
" أن والدتي تقوم برحلة سياحية مع زوجها".
" آه , يا لسوء حظك".
" لا تبال كثيرا لهمومي , يا سيد نورتن!".
" لكن بلى , يا سوزان , أفضّل ألا تكوني وحيدة.....".
" ستتحسن أحوالي , أؤكد لك ذلك".
تأثرت سوزان لهذا الأهتمام الكبير , لكنها لم تكن تتمنى أبدا الذهاب الى منزل والدتها , في جميع الأحوال , أذ من الصعب عليها أن تشرح لها جميع التفاصيل , لكن فكرة الرحيل لبضعة أيام بدأت تروق لها.
سألها نورتن:
" أذن....... ماذا تنوين فعله؟".
" هل كنت جادا عندما أقترحت عليّ منذ قليل أن آخذ بضعة أيام عطلة وأذهب الى مكان ما بعيدا من هنا؟".
" نعم , كليا".
" أذن , سأقبل أقتراحك , أعتقد أن من الأفضل أن أغيّر .......... الجو , وربما سأذهب الى شاطىء البحر".
" الى أين؟".
" آه , لا أعرف , عندما كنت صغيرة , كنا نذهب بشكل منتظم الى قرية صغيرة تقع قرب مدينة , المكان رائع , ربما أذهب الى هناك".
قال نورتن في قلق عليها :
" لن تأخذي سيارتك ,أليس كذلك؟".
" لكنني لست مريضة , يا سيدي".
" أنت مضطربة كثيرا , ولا يمكنك قيادة السيارة ".
" المكان ليس بعيدا في أي حال , أذا ذهبت بعد الغداء , سأصل وقت العشاء".
" وماذا يدعى المكان ؟ عليّ أن أعرف ذلك".
" ويست هامتون ريجيس , أنها قرية صغيرة حسب ما أذكر".
" وأين ستنزلين ؟".
" لا أعرف , لا شك هناك فندق صغير في القرية , لقد نسيت, سأتدبر مكان سكني عندما أصل !".
" أفضّل لو تطلبين من عبد الفايز أن يقودك الى هناك .........".
" هذا غير وارد على الأطلاق , كما أطلب منك ألا تقول له الى أين أنا ذاهبة".
" لكن , تهيأ لي أنك بدأت ترتاحين للخروج معه".
" نعم , لكن هذا لا يعني شيئا , وليس عندي شيء ضده , غير أنني...... أنني...... في حاجة لأكون لوحدي بضعة أيام".
" حسنا , يا سوزان , أنت فتاة ناضجة وتعرفين جيدا ما تفعلينه".