9-صوت المحبوب
رنين الهاتف أيقظ سوزان من نوم عميق , ولا شعوريا وضعت أصبعها على جرس المنبه , لكن الرنين ظل مستمرا , فأزاحت الغطاء عنها ونهضت من سريرها في تأفف وتوجهت الى غرفة الجلوس.
كم الساعة الآن ؟ تساءلت سوزان وعيناها ناعستان وهي ترى الضوء يدخل من وراء الستائر السميكة , أي نهار اليوم ؟ الأحد؟ نعم , الأحد , رفعت سماعة الهاتف وقالت:
" آلو!".
" سوزان ؟".
ولما تعرّفت الى الصوت المحبوب , شعرت بدوار خفيف وقالت تاركة نفسها تنزلق في كرسي قريب:
" مارشيللو !".
" سوزان , كيف حالك؟".
قالت في صوت مخنوق :
" أنا........في تمام الصحة والعافية , من ........من أين تكلمني ؟".
" أنني هنا في لندن , أريد أن أراك ".
" آه........".
من الصعب عليها أن تدرك ما يحدث الآن , هل هذا حلم؟ وبعد لحظة ستستيقظ منه ؟ مارشيللو........في لندن ....... هذا غير معقول.
أضاف يقول في نبرة جافة:
" ألا تريدين رؤيتي؟".
" أنني...... أنني........".
ترددت متفاجئة وسألته:
" كم الساعة الآن؟".
" الساعة؟ أنها الساعة الحادية عشرة تقريبا".
صرخت الفتاة قائلة :
" الحادية عشرة!".
لم يسبق لها أن نامت حتى ساعة متأخرة من الصباح , ماذا جرى؟ فجأة أستعادت ذاكرتها , مساء أمس , أصطحبها عبد الفايز الى حضور العرض الأول لفيلم يقوم فيه أحد أبناء عمومته بدور ثانوي , ولم تخلد الى النوم حتى الرابعة صباحا , أنها المرة الثالثة تلبي فيها دعوة عبد الفايز , خلال الأسابيع الثلاثة الماضية , فقد عرفت أخيرا أن تتمتع برفقته وتتعرف اليه عن كثب , أن مديرها مالكوم نورتن على حق , أن عبد الفايز ليس مرعبا كماكانت تعتقد , سألها مارشيللو :
" هل أيقظتك من النوم , آه , المعذرة! أعتقدت أنك في مثل هذا الوقت تكونين قد أستيقظت".
منتدى ليلاس
قالت في أنزعاج:
" خلدت الى النوم في ساعة متأخرة".
ساد صمت بارد ,سألته خائفة أن يقفل السماعة وتفقده الى الأبد:
" ماذا تفعل في لندن , يا مارشيللو ؟".
" هذا شأني , على ما أعتقد , أذن , هل توافقين على أن نلتقي؟ نعم أم لا؟".
تلعثمت وهي ترد عليه:
" نعم , طبعا , متى ؟ وأين؟".
" أن فندقي غير بعيد عن الفندق الذي تعملين فيه , هل تريدين أن أمر بك بعد ساعة؟".
" حسنا , آه , مارشيللو , أنني ....... أنني سعيدة جدا.....".
" حسنا , الى اللقاء , بعد ساعة".
وأقفل السماعة من غير أن يترك لها مجال الرد عليه والأستمرار في الحديث.
وبينما كانت تعد نفسها لأستقبال مارشيللو , حاولت ألا تفكر كثيرا في الأسباب التي دعت مارشيللو للحضور الى لندن , لكن كيف بأمكانها التفكير في شيء آخر؟ لذلك وجدت نفسها في حالة متوترة ومضطربة بشكل لا يوصف ولدى التفكير باللقاء القريب بدأ قلبها ينبض بسرعة كبيرة.
ماذا ترتدي؟ أنها حائرة , يداها ترتجفان , أخرجت من خزانتها معظم فساتينها , وراحت تجرب الواحد تلو الآخر , لا شيء كان يعجبها , غير أنها ألقت بها كلها جانبا , أخيرا قررت أرتداء فستان بأكمام واسعة من الحرير المعرّق باللون الأصفر والأزرق والأحمر والأخضر , وتظهر الياقة رقبتها الطويلة وكتفيها النحيلتين , كما أن حذاءها العالي يرفع قامتها الممشوقة , وبينما خرجت من شقتها الواقعة في الطابق الأرضي , كانت سيارة جاغوار تسير في محاذة الرصيف.
راح قلبها يسرع طرقا وهي ترى السيارة تتوقف أمامها ويخرج منها مارشيللو , أنيقا في بدلة رمادية من الكتان الرفيع .
دار حول السيارة ليفتح لها الباب وتهيأ لها أنه يعرج بصعوبة أقل.
" صباح الخير يا سوزان, تفضلي بالصعود".
كانت تنظر الى وجهه , هذا الوجه المقطب الذي يملأها توترا غريبا , كيف تفسر هلعها حيال
هذا الرجل الذي لا يمكنه أن يحبها علنا؟
ومن دون كلمة , جلست سوزان في المقعد الأمامي , وصعد قربها مارشيللو وراح يقود السيارة في صمت , ومن طرف عينيها تمكنت سوزان من النظر اليه مليا , وبدا لها أن وجهه متعب , كأن الحياة لم تكن طيبة أتجاهه هو أيضا , أنقبض قلبها ألما , لكنها أستعادت وعيها وتذكرت أن مارشيللو دي فالكونيه ليس في حاجة لشفقتها ولا حتى ......لحبها.
الحب! أنه هراء..... لقد عرفت الحب وبعده أكتشفت أن الرجل الذي تحب ليس حرا..........