هزت سارة رأسها موافقة:
" لكن جي كي أخذ على عاتقه المسؤولية , لماذا؟".
" لا بد أنك تعرفين بأن جي كي هو صديق جدي".
" نعم بالطبع , نسيت ذلك للحظات , خاصة وأنني كلما تحدث الي جارود عنك أعتبرك مسؤولية".
" هل تحدثت الى جارود عني؟".
" بالطبع , أذ أن هناك شيء يدعى الهاتف كما تعلمين... ولكن دعينا ندخل , أذ لا بد أنني أسيء التصرف بأبقائي اياك هنا , ولكن جارود عزيز جدا عليّ أنه لن يستمع الى أي من نصائحي".
عضت سارة على شفتيها وقالت:
" وهل تريدين نصحي الآن بدلا منه؟".
" كلا, كلا.... ليس الآن.... ليس بعد أن ألتقيت بك , أذ أرى بأنك لست طفلة وأن مخاوفي كانت وهمية".
" أي مخاوف يا سيدة كايل؟".
" يبلغ جارود الخامسة والثلاثين من عمره , وأريد أنا وجي كي أن نراه متزوجا ومتمتعا بحياته العائلية , وخشيت حين سمعت عنك بأنك فتاة أكبر سنا وأكثر تجربة , أنك تفهمين ما أريد قوله , فتاة تحاول أعاقة زواج جارود مثلا".
أنتابت سارة الرغبة بالتقيؤ , رغبة تنتابها كلما أحست بالأضطراب .
" ليس هناك ما يدعوك للخوف يا سيدة كايل".
" كلا , كلا , أعرف ذلك ".
أجابت هيلين كايل ممسكة بذراع سارة لتساعدها على أرتقاء السلم:
" بل أظن أننا سنكون صديقتين , الأمر الذي سيفرح جي كي كثيرا".
وأبتسمت للمرة الأولى منذ دخول جارود المنزل.
" يجب أن تفهمي يا سارة , أنني لست قاسية بل كل ما أردته هو توضيح موقفي منذ البداية وبذلك تستطيع أحدانا فهم الأخرى جيدا , ألا توافقينني الرأي".
" نعم يا سيدة كايل , ستفهم أحدانا الأخرى".
وتبخر فرحها بالمكان الجديد , بجمال المنزل والغابة , وأذ دخلت الصالة حيث كان جارود وماث في أنتظارهما , لم تجد القدرة الكافية حتى للنظر حولها وللتمتع بأبهة المكان , بدا عليها الشحوب وأنتابتها رغبة ملحة بالبكاء .
ألا أنها أكتفت بتناول قدح عصير الفواكه من ماث , بينما واصل الثلاثة الحديث عن لندن والعائلة وحالة الجو المزعجة هناك.
لاحظت سارة عدة مرات , مراقبة جارود لها فتجنبت النظر اليه مباشرة مخافة أن تفضحها عيناها.
"تناولت عشائي منذ قليل , وفكرت بأنكم ستفضلون , بعد رحلتكم الطويلة , تناول العشاء في غرفكم , أعدت صوفي كل شيء وستجلبه لكم , ما الذي تفضلينه يا سارة؟".
" هل تعتبرينني غير مهذبة أذا قلت بأنني لا أرغب بتناول شيء؟ أذ لا أشعر بالجوع".
قطب جارود جبينه قائلا:
" لا بد أنك جائعة ".
" هل أستطيع الذهاب الى غرفتي, أذ أحس بالتعب".
نادت هيلين صوفي وقالت:
" أرجو أن تأخذي الآنسة روبنز الى غرفتها".
ثم نظرت الى سارة:
" أتمنى لك ليلة سعيدة يا سارة , سأراك في الصباح".
" شكرا".
وتمنت لهم سارة ليلة سعيدة ثم تبعت صوفي الى الصالة , ثم صعدتا عدة درجات قادتهما الى الطبقة الأولى , ثم سارتا الى الغرفة الأخيرة الواقعة عند نهاية الممر
فتحت الخادمة باب الغرفة فدخلت سارة غرفة نوم فخمة أخرى , ذات طراز شعبي شعبي أصيل وألوان زاهية , الغرفة مزودة بحمام خاص , وحقائبها فتوجهت الى الحمام مباشرة حيث أغتسلت وأرتدت قميص نومها الموضوع في الحقيبة الصغيرة
منتدى ليلاس
لم تفارق سارة طوال الوقت , رغبتها في البكاء ألا أنها قررت عدم الأستسلام والبكاء كالأطفال , أذ ستبلغ الثامنة عشر بعد عشرة أيام وقررت أن تتصرف كشابة متزنة , ثم لم أنزعجت من كلمات السيدة كايل؟ ثم ما الذي قالته هيلين؟
كان ما قالته هو أن جارود سيتزوج قريبا وطلبت منها عدم التدخل في شؤونه الخاصة وخاصة في ما يتعلق بمخطط زواجه.
دخلت سارة الفراش بعد أن أطفأت النور وتركت ضوء المنضدة الخافت كما هو لينير الغرفة , ألقت نظرة على الكتاب الذي جلبته معها من مالثورب , كان قصة مغامرات وحاولت القراءة ألا أنها لم تعد تستطيع التركيز, تخلت أخيرا عن فكرة القراءة ونهضت لتفتح النافذة , وأستطاعت حتى في الظلام الحالك , رؤية أنوار بعض المنازل القريبة وشمت رائحة البحر , وأيقنت أن ما يفرح الأنسان أولا وآخرا هو علاقته بالناس المحيطين به أكثر من المكان والظروف المحيطة به.
وعادت الى سريرها وتمنت لو أمتلكت بعض السكائر أذ أرادت التدخين , أذ ربما سيساعدها على النوم , كانت متعبة وقلقة وأصابها الأرق فظلت مستيقظة فترة طويلة , فكرت بجي كي باقيا لوحده في مالثورب , وأرتجفت وتمنت لو أنها كانت هناك , وتذكرت كيف خدعت نفسها في الطائرة وظنت أنها ستتمتع بالرحلة , كانت سخيفة وحمقاء وعليها الآن قضاء أسبوعين كاملين في هذا المكان.... ألم تجرب من قبل حرارة الأنتظار بعد وفاة جدها؟
سمعت صوتا ما قرب بابها وطرقا خفيفا فظنت بأنها صوفي فقالت:
" أدخلي".
ولدهشتها , دخل جارود الغرفة وأغلق الباب خلفه, ثم وقف متفحصا أياها بعينيه الجريئتين , وأحست سارة بالحرج لمظهرها حيث أنها لم تكن ترتدي شيئا عدا قميص نومها.
" ماذا تريد؟".
" لا تصرخي ما لم ترغبي أيقاظ كل من في المنزل , أدخلي فراشك".
غطت سارة نفسها بغطاء خفيف وأنكمشت في مكانها ساكنة , ثم همست:
" حسنا , ماذا حدث؟".
أستقام جارود ثم سار نحو السرير ناظرا اليها:
" ما الذي قالته لك هيلين في الخارج؟".
" لا شيء لماذا؟".
تنهد جارود قائلا:
" ذلك ليس جوابا , أذ تعلمين جيدا أنها أخبرتك بشيء أزعجك , وأريد معرفة ما قالته , ما الذي غيّرك من فتاة فرحة الى مكتئبة صامتة لا ترغب الا بالهرب بعيدا عنا جميعا".
" لم لا تسألها؟".
" أنني أسألك أنت".
" حسنا , لا أستطيع أجابتك , والآن أرجو أن تغادر الغرفة وتتركني".
" لن أغادر الغرفة بدون معرفة الجواب".
" حسنا لن تحصل على الجواب مني , لم لا تذهب للنوم أذ لا بد أنك متعب أيضا".
"أنني متعب فعلا , ولكن كيف أستطيع النوم وأنا أعلم بأنك قلقة الى حد المرض بسبب شيء قالته أمي؟".
أغمضت سارة عينيها وقالت:
"لست قلقة".
" صحيح؟".
ونظر اليها بحدة جعلتها ترتجف في مكانها فتحركت مبتعدة قليلا عنه
ثم قالت:
" آه , لم يحاول الجميع معرفة كل شيء عني؟ لم لا تتركني لوحدي.... أنني لا أسألكم شيئا.... ولا أنتقدكم بأستمرار.... فلم تصرون على معاملتي كطفلة؟".
هز جارود كتفيه بأستهزاء وقال:
" ذلك لأنك طفلة".
" هل أنا كذلك؟ حقا؟ هل هذا كل ما تراه فيّ؟ طفلة غبية؟".
" لم أقل غبية".
قال بأختصار.
" كلا , بل شيئا من هذا القبيل , جارود , سأبلغ الثامنة عشر من عمري خلال عشرة أيام , أتعرف هذا؟".
ألتقت عيناه بعينيها , لم تكن ندا له ألا أنها أدركت مدى أهتمامه بها.
" ما الذي تريدين سماعه مني يا سارة؟ هل هذه لعبة جديد ؟ هل منحك نجاح مغامراتك مع شبان مالثورب الثقة لبدء مغامرة جديدة؟ يتوجب علي , أذن , تحذيرك , أنها لعبة خطرة جدا".
" ألا أنك تمارسها ".
" معك؟ كلا , يا عزيزتي , لن أفعل ذلك أبدا".
" لماذا؟ هل أثير أشمئزازك الى هذا الحد؟ ".
وكانت سارة مدركة عمق الهاوية التي كانت على وشك السقوط فيها.
" كلا , لا أشعر بالأشمئزاز منك ".
وكانت نظراته هادئة ولطيفة ولم تكن ساخرة كما توقعت سارة , ألا أنها لم ترغب فيه مهذبا وهادئا في تلك اللحظة , كما لم ترغب في عطفه أو شفقته.
" أرجو أن تترك الغرفة الآن".
قالت ضاغطة بيدها على شفتيها .
" سارة , أني أبذل غاية جهدي للتصرف بهدوء معك , وأفهم رغبتك في أغوائي, فلا تحاولي رجاء الضغط أكثر مما يجب".
" لماذا؟ لماذا؟ ما الذي ستفعله ؟ ما الذي سيفعله جارود كايل , الرجل الوسيم الرائع؟".
منتدى ليلاس
لم تعد نظرات جارود مهذبة بل ألتمع فيهما الغضب فأحست بالأثارة تسري في جسدها بدلا من الخوف وبطريقة لم تحس بها من قبل , وأدركت أنها ترغب في شيء واحد هو أن يلمسها وأن تحس بيديه تداعبان وجهها.
ولكنه ولخيبة أملها الشديد, نهض واقفا , وبدون أن يفتح فمه بكلمة توجه نحو الباب, فأستدارت سارة لئلا تسمح له برؤية خيبة أملها , فسمعت صوت فتح الباب ثم أغلق بهدوء.
وكان الصمت المحيط بها ثقيلا وأستسلمت أخيرا لدموعها التي كبحتها طوال المساء , ورافق ذلك أحساسها بالمهانة لسلوكها المخزي أذ حاولت جهدها أثارة جارود ودفعه للأقتراب منها , وكل ما حصلت عليه هو السماح له برؤيتها كطفلة لا تتحكم في مشاعرها.
ما الذي سيظنه جي كي أذا ما أكتشف حقيقة مشاعرها وسلوكها؟ جي كي الذي ظن بأنها طفلة وبأن جارود شخص لا مجال للثقة به؟
ثم ما الذي ستظنه هيلين؟ وأخيرا أحست سارة بأنها قضت على فرحتها في قضاء عطلة سعيدة وأنها قبل كل شيء آخر , فقدت أحترامها لنفسها, وبكت فترة طويلة ثم دفنت وجهها تحت الأغطية محاولة أخفاء الحقيقة عن نفسها.
******نهاية الفصل السابع******