وتداعت رجلاها , ألا أن آندرو أمسك بها قبل أن تهوي.
" يا حبيبتي........".
وأسندها برفق على الأريكة فيما أبتسمت له أبتسامة ضعيفة.
" أنك بخير يا حبيبتي , فلماذا لا تأوي الى الفراش؟".
تثاقلت جفونها , فأغمضتها , وحاولت النطق , لكن أعصابها خانتها , فأكتفت بهز رأسها بوهن , وهنا أخبرته السيدة ايرفن بما حدث:
" طمأنتها أنك بخير يا سيدي , وطلبت اليها أن تأوي الى الفراش.... فهي لم تدخل السرير لليلتين متتاليتين , لكنها صممت ألا تنام ما دمت أنت في الخارج .... وبدا أنها شعرت أنك في بعض الخطر".
وتنهدت غايل بعد أن ألقاها زوجها فوق المساند:
" آندرو.... دعو.... دعوتني.............".
تحول آندرو نحو السيدة التي أستعدت لمغادرتما:
" سيدة أيرفن , هل السرير جاهز؟".
" سأدفئه ثانية يا سيدي وأشعل النار".
" أشكرك , أسرعي قدر الأمكان , فأنا لا أريد أن تنام السيدة مكنيل هنا".
" لا أريد العودة الى غرفة النوم".
وحاولت غايل النهوض , ألا أنها منعت , ولما أغلق الباب خلف السيدة ايرفن , قالت بثبات:
"لن أذهب".
فكشر آندرو :
" لن تذهبي؟ لماذا؟".
" أنت قلت لي يا حبيبتي......".
منتدى ليلاس
فأبتسم مستفسرا:
" هل هذا مبرر لعدم ذهابك الى السرير؟".
أحمرت خجلا وقد فطنت لحماقتها فيما واصل آندرو تحديقه اليها بمرح ساخر , وتمكنت في نهاية المطاف من القول:
" أنك مبتل ,وعليك أن تستحم وتغير ملابسك".
وأغمضت جفونها بدون أن تقوى على الأستيقاظ , فصرخ بها :
" غايل , لا تنامي هنا".
غير أن النوم غلبها , فتركها زوجها على الأريكة بعد أن دثرها ببساط وشد الستائر الى بعضها بحيث غرقت الغرفة في ظلمة شبه كاملة لولا وهج النار المتأججة في الموقد.
أستيقظت غايل وقد أنتعشت قليلا بالرغم من تعبها ,ولم تنطفىء النار لأن أحدهم أهتم بأضرامه , لكن مصدر الدفء الذي أحاط بغايل كان مختلفا , أن آندرو يحبها ..... وبرزت السيدة أيرفن بعينيها الحادتين الباحثتين من وسط القاعة الساكنة:
" وأخيرا أستيقظت يا سيدة مكنيل , هل تشعرين بتحسن بعد أن نمت؟".
" زوجي .... هل هو بخير؟".
" هل هو بخير؟ طبعا أنه بخير , لقد نام مثلك , لكنه أستيقظ , وقد سمعته منذ بضع دقائق يتنحنح , والآن , هل ترغبين بفنجان شاي ساخن؟".
" بعد قليل , فأنا أريد أن أستحم أولا".
وضعت غايل بعض الملابس الداخلية وثياب النوم في حقيبة صغيرة , غير أن السيدة بيرشن أصرت على أدخال ثوبين في الحقيبة , وقد أمتنت غايل لها صنيعها خصوصا بعد أرتدائها ثوبها هذا ما يزيد عن ثمان وأربعين ساعة.
وطرحت اسدة ايرفن قطعة خشب كبيرة في النار , ثم أستدارت نحو غايل قائلة:
" أذهبي وأستحمي الآن فيما أعد لكما أبريقا من الشاي , صحيح أنني أطهي العشاء , لكنكما لن ترغبا به الآن وقد نهضتما من النوم مباشرة".
سألتها غايل بفضول:
"كم الساعة الآن؟".
" قرابة السابعة , لقد نمت أنت والسيد طوال النهار".
ولما نزلت غايل نشيطة بعد أن أستحمت وبدلت ملابسها , وقف آندرو وهو يدير ظهره للنار ويرتدي ثوبا فضفاضا , وقد بدا في تمام العافية نظيفا هادئا لا أثر عليه من جهاده في الليلة الماضية عبر الأراضي المكسوة بالجليد , ألا أن فكره مشغول بمأساة موراغ التي لم تغب عن ذهنه في الواقع , غير أن غايل بادرت الى الحديث بحزن وأسى عميقين:
" موراغ.... لم يكن بوسعي أن أعمل أكثر مما عملت يا آندرو , فقد تأخرت بالوصول , ولم تستطع سيارة الأسعاف التي حضرت الى هنا متأخرة أن تسرع , ألا عندما خلفنا الطريق الضيق ودخلنا الطريق العام , فليرحمها الله يا آندرو".
ولف الصمت الغرفة الى أن تكلم آندرو بلهجة جامدة مخالفة للهجة غايل:
" أعرف أنك فعلت كل ما في وسعك يا عزيزتي , وأنني أشكرك".
وألتقت عيناه بعينيها , فلمحت فيهما أشراقة حب وحنو مفاجئين .
" كنت رائعة , وقد سمعت القصة بكاملها من سينكلاير وباركلي والسيدة ايرفن".
وسكتت ثانية فيما خفضت رأسها لتخفي وجهها المحمر نتيجة ثنائه , ثم أستأنف حديثه باللهجة الخالية من العاطفة عينها:
" يجب أنجاز بعض الأمور المتعلقة بموراغ , وبعد الأنتهاء منها , علينا ألا نعود الى الحديث عنها أبدا , هل تفهمين يا غايل؟ لا أريد ذكر أسمها مرة أخرى".
بلعت ريقها ,وعلت وجهها مسحة معبرة عن الألم , ألا أنها أطرقت وقالت بصوت لا يكاد يسمع:
"أجل , لقد فهمت يا آندرو".
" أحسبك فهمت , بل أنت تفهمين كل شيء".
أرجعت رأسها الى الوراء فيما بدا واثقا تمام الثقة أن موراغ ليست أبنته , وأتضح أنه أقتنع بأن غايل عرفت الحقيقة.
ورفع كل منهما عينيه عندما دخلت السيدة ايرفن وهي تحمي صينية الشاي لتضعها على طاولة قرب النار , ثم سألت:
" هل تريدان الطعام الآن يا سيدي ؟ فأنا أطهي العشاء في الفرن".
" الأرجح أننا سنتعشى فيما بعد".
وألتفت الى غايل:
" هل أنت جائعة الآن؟".
هزت رأسها نفيا:
" لا أستطيع تناول شيء الآن".
ولما ذهبت السيدة ايرفن وبدآ بتناول الشاي , تكلم آندرو الى غايل بمودة أعظم من أي وقت مضى , لقد أخذ يشك بأن موراغ ليست أبنته منذ وقت مبكر , لكنه حاول أن يتناسى الأمر ويمنحها محبة الأب ورعايته عندما تركهما وحدهما , أما من ناحية زوجته , فصحيح أنه أستردها , لكنه لم يقدر أن يصفح عنها.
" هل رغبت ببداية جديدة كليا؟".
أسترجعت غايل قول شقيقتها أن آندرو رجل طيب , وأنه يعتبر الزواج رابطة أبدية , ير أن آندرو هز رأسه ببعض الحزن.
" حاولت يا غايل , لكن , كان من المستحيل أن أنسى , ولكي يتمكن الأنسان أن يصفح , عليه أن ينسى ما قاساه ,ونشأة موراغ وشخصيتها لم يساعداني على النسيان , بل جعلاني أؤمن أنها مشكلتي مدى الحياة ".
وبعد صمت قصير قال بشيء من الأرتباك:
" يا حبيبتي".
" لقد أخبرتني كل شيء , والآن أصبح من واجبي أن أطلعك على بعض الأمور".
منتدى ليلاس
ضغطت يديها على بعضهما بأحكام وكأن تصرف آندرو أعطاها القوة والشجاعة لتستمر بالحديث وتطلعه على قصة مايكل والحادث والجراح , وأخبرته أن مايكل قد تسبب بالحادث عن طريق أفراطه في الشرب , ولم تعلن الأمر الأهم والأصعب ألا عند نهاية الحديث:
" أن السبب الحقيقي لفسخه خطوبتنا هو .... هو أصابتي بجروح داخلية......".
وأعقب حديثها فترة صمت شديد أستدارت خلالها غايل لتواجه زوجها بعينيها الجميلتين الواسعتين وقد أشرق فيهما الخوف.
" آندرو ,هل تؤثر عدم قدرتنا على أنجاب أولاد آخرين عليك في شيء؟".
ثم أخبرته بعزمها على دخول المستشفى لمعالجة الجراح , فأعترض:
" لا يمكنني تحمل بعادك يا حبيبتي , ومن جهة الأولاد , فنحن عندنا منهم ما يكفينا".
فقاطعته:
" شكرا يا حبيبي , لكن لن أغيب طويلا يا آندرو , فأنا لا أريد أن أبعد عنك وعن الأولاد , ولكن سعادتي تعظم بأزالة الجرح".
" فليكن ما تريدين يا حبيبتي , وأعلمي أنني أمقت كل لحظة تغيبين فيها عني".
النهاية